للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دينك من المدين، فإذا رأيته معسرًا فعفوت له دينك، فهذا إحسان.. وخص الله في الخصلة الثالثة الأقرباء بالإحسان، فالإحسان للناس عامة واجب، وهو لذوي القربى أوجب، فواجب أن يترابط أفراد الأسرة، ومن ارتباط الأسر ترتبط الأمة.

هذه هي الخصال الثلاث التي شددت الآية في التزامها والعمل بها، أما المنهيات الثلاثة التي وردت في الآية، فبالتأمل فيها نراها شاملة أيضًا شمولًا عجيبًا، وذلك أن علماء الاجتماع والقانون يقسمون الرذائل أو الجرائم إلى أنواع ثلاثة: جرائم يأتيها الأفراد نحو أنفسهم، وهي الجرائم الخلقية التي لا تدخل في نطاق القانون، كالكذب والحسد والنفاق والرياء ونحو ذلك. وجرائم تقع على أفراد الأمة ويعاقب عليها القانون كالسرقة والقتل، وكل ما فيه تعد على أنفس الناس وأموالهم. وجرائم تقع على السلطات الحاكمة كالسعي في هدم الحكومات.

وهذه الأنواع الثلاثة تقابل الرذائل الثلاث في الآية، فالفحشاء الأعمال القبيحة تصدر من الشخص وتؤذيه؛ ولذلك سمي البخيل فاحشًا. والمنكر ما يصدر عن الناس من جرائم تضر بهم ويستنكرونها إذا حدثت. وقد اعتاد القرآن أن يسمي الفضائل الاجتماعية معروفًا، والرذائل الاجتماعية منكرًا، وجعل من أصول الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} .. أما البغي فمعناه الخروج على السلطة الحاكمة بوسائل العنف، ومن ذلك قولهم: "الفئة الباغية" أي: التي تخرج على الإمام العادل؛ ذلك لأن الإسلام يريد استقرار الأموار واستقرار السلطة الحاكمة مع صلاحيتها؛ لأنها المشرفة على النظام العام، فإن حادت عن العدل أو الحق وجههًا أولو الأمر إلى الجهة الصالحة، فالوسيلة للإصلاح هي النقد الصريح الجريء، وهذا يدخل -أيضًا- ضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وبعد، فإن الأمة التي تتبع هذه الأصول الثلاثة، وتتجنب هذه الأشياء الثلاثة أمة مثالية، فلنتصور جماعة من الناس، أو أمة من الأمم، عدل

<<  <   >  >>