عليه. فهي كرة؛ لأن ظلها مستدير والشمس أكبر منها؛ لأنها تجعل لها ظلا طويلا صنوبريا، وهو الذي يخسف القمر بالمرور فيه, وقد استغربوا كما يستغرب العامة الآن كيف تغيب الشمس في الماء عند الأفق الغربي، ثم تظهر في الصباح عند الأفق الشرقي، وأغرب من ذلك أن القمر يغيب مثلها ويطلع مثلها، ولكنه يخالفها في أزمنة شروقه وغروبه، وفي تغير وجهه، وكذلك النجوم تشرق وتغرب، ولكنها لا تكتفي بهذه الدورة اليومية حول الأرض، بل تدور حولها دورة سنوية أيضًا، كأن السنة الأرضية وهي ٣٦٥ يومًا ونحو ربع يوم حاكمة على الشمس والقمر والنجوم.
والكواكب السيارة مشمولة بهذا الحكم، ولكن كل واحد منها خاضع لسير آخر خاص به، رأوا كل ذلك فأخذوا يبحثون عن أسبابه أي عن القوانين الطبيعية المتسلطة على الشمس والقمر والنجوم من حيث علاقتها بالأرض وعلاقتها بعضها ببعض، وأول حقيقة اكتشفوها وتحققوها هي أن الأرض كرة قائمة في الفضاء على لا شيء، وبذلك فسروا كيفية دوران الشمس والقمر والنجوم حولها أي فوقها في النهار، وتحتها في الليل".
"وأن القمر أقرب الأجرام السماوية إليها ففلكه أو مداره أقرب من كل الأفلاك إلى الأرض، وفوقه فلك عطارد ثم فلك الزهرة ثم فلك الشمس ثم فلك المريخ، ثم فلك المشترى ثم فلك زحل ثم فلك النجوم. وينسب هذا الرأي إلى "بطليموس" العالم اليوناني الذي نشأ في الأسكندرية بين سنة ١٠٠- ١٧٠ للميلاد، وهو الرأي الذي جرى عليه الغرب لما تعلموا الفلك من كتب اليونان، ونقلوا كتاب بطليموس المعروف "بالمحبسطي" إلى العربية، وزادوا عليه تحقيقًا واكتشافًا، لكنهم لم يخالفوا رأيه من حيث دوران الشمس وسائر السيارات حول الأرض ولو قالوا إن الشمس أكبر من الأرض".
وقد جمع الشيخ ناصيف اليازجي أسماء هذه السيارات حسب ترتيبها من الأبعد إلى الأقرب في بيتين هما:
تلك الدراري زحل فالمشترى ... وبعده مريخها في الأثر
شمس فزهرة عطارد قمر ... وكلها سائرة على قدر
أما كيف عللوا حركات هذه الكواكب على اختلاف أنواعها، فمما يطول شرحه، وبقي رأي "بطليموس" شائعًا معمولًا به ١٤٠٠ سنة بعد وفاته.
ومن يطالع "الزيج الصابي" الذي وضعه أبو عبد الله محمد بن سنان بن جابر الحراني المعروف "بالبتاني" المتوفى ٩٢٩ للميلاد، أي: منذ نحو ألف سنة يعجب مما كان القدماء يبذلون من الجهد والعناء في تعليل حركات الشمس والقمر والكواكب والنجوم والفلك كله بحسب هذا الرأي مع قلة وسائلهم. هذا هو مذهب "بطليموس" في هيئة الفلك وخلاصته أن كرة الأرض قائمة في مركز الكون، وأن الشمس والقمر والنجوم السيارة وغير السيارة تدور حولها دورة كاملة كل يوم من الشرق إلى الغرب، كما يظهر لعين الناظر"١.
وهكذا كان يعقوب صروف يهتم بنشر العلم على لسان الصحافة، فخلف وراءه من مجلدات المقتطف ما يزيد عن ثلاثة وسبعين مجلدًا، جمعت علوم العصر وآدابه ومخترعاته واكتشافاته، بأسلوب سهل ولغة سليمة وتراكيب صحيحة، فبعثت نهضة فكرية أنارت الطريق أمام الباحثين.
١ راجع: بسائط علم الفلك ص٤-٦ من مقال في الفصل الثاني.