للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد تكون في هذا العصر أكثر شيوعًا، وإنما نحن أشد شعورا بها؛ لأننا نعيش في وسطها، ويجبهنا وجهها المخادع أنى توجهنا، فإذا أنت طلبت من الصداقة شيئًا غير تلك الفوائد المتداولة، إذا طلبت العاطفة الخالصة، والفائدة الأدبية المجردة، وتلك اللذة البريئة التي تجدها في محادثة الصديق بالكلام أو بالسكوت، وشعرت باحتياج ملح إلى ذلك، كاحتياج الدم إلى النور وإلى الهواء، إذا أنت طلبت هذا من الصداقة وعند الصديق فما أنت في نظر تلك الفصيلة من الناس إلا من أهل الشذوذ والغباوة ... على الأقل".

"وعلى رغم كل ذلك فموضوع الصداقة من الموضوعات التي نقبل عليها في اهتمام ولهفة، ولو جاز لي أن أشير إلى خلو خالص في قلت: إني أشعر بشيء غير قليل من الأسف كلما انتهى إلي أن صديقين كريمين تجافيا بعد التصافي، وقد يكون أسفي ناجمًا عن نوع خاص من الأثرة لا أدركه تمام الإدراك، قد يكون ذلك, إن انفصام عرى الصداقة بين الآخرين، كأنما ينال من إيماني بالصداقة ويزعزع من رجائي فيها, لسنا في حاجة إلى دهور نعيشها لتدرك كم في هذه الحياة البشرية من خبث ومراوغة ونفاق، اختيارات قليلة تكفي لتدلنا على أن بعض المثل العليا تخذلنا وتصرعنا بلا رحمة ثم تنقلب مسوخًا ساخرة مزرية، لا تلبث أن تكثر عن أنيابها -مهددة متوعدة- وهي التي تجلب في نفوسنا من قبل جلباب القدسية والعبادة".

"اختيارات قليلة في أحوال معينة وأحوال مفاجئة، تكفي لتظهر لنا أن من الناس من يتاجر بكل عاطفة صالحة لتنفيذ أغراض غير صالحة، ومن يستغل كل استعداد كريم لنتيجة غير كريمة، ومن لا يكتفي بالظلم والإجحاف، بل لا يتورع عن إيذاء الذين أخلصوا النية في معاملته، ولم ينله منهم إلا الخير، وكم من مذيع أنباء الصداقة لا لسبب آخر سوى التوغل في الإيذاء باسم الصداقة في أساليب سلبية أو إيجابية لا يعلم إلا هو كم هي خبيثة وكم هي مغالة"١.


١ راجع: الرسالة في ٢٢ فبراير ١٩٣٥ السنة الثالثة، نتعرف ٨٤.

<<  <   >  >>