للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحياة إلى التطور. ولكن فليقولوا في الأمر ما يقولون؛ لأن النتيجة في النهاية هي اختلاف في التصور، لا اختلاف في أساس الاعتقاد بوجود الله".

"إننا إذا تأملنا صفة الحياة عندما نقول الله هو الحي، أو صفة العلم عندما نقول الله هو العليم، أو صفة الإرادة عندما نقول عن الله "فعال لما يريد" أو صفة الرحمة عندما نقول الله هو الرحيم أو صفة العدل عندما نجد أن العدل اسم من أسماء الله تعالى وهكذا إلى آخر تلك الأسماء المباركة، فإننا إنما نشير ضمنًا إلى الأهداف العليا التي يجب أن يتغياها الإنسان بسلوكه ... ونقف عند صفة الحياة وحدها لنتأمل ماذا يجب على الإنسان أن يفعله ليكون "حيا" بالمعنى المطلوب والمتضمن في ذلك الاسم من أسماء الله الحسنى، بالطبع ليس المقصود هو حياة الطعام والشراب والنسل ولا هو حياة الزراعة والصناعة والتجارة, ولا هو أي وجه من أوجه الحياة التي ينشط بها الإنسان ويكاد ينشط بمثلها الحيوان أيضًا، لكننا نعني بالحياة هنا، حياة الوعي والإدراك والتعقل، وما إلى ذلك من صفات؛ لأنها هي الصفات المتضمنة عندما نقول: إن الله هو الحي، أي: إنه هو المحيط بكل شيء علمًا وإدراكًا ونورًا إلى آخره".

"فإذا وجدنا إنسانًا لا يجعل اهتمامه الأول هو حياته العقلية الواعية المدركة عرفنا أنه قد انحرف عن الخطة السلوكية المثلى، التي رسمها له أسماء الله الحسنى، وألخص هذا الذي قتله أخيرًا في عبارة موجزة فأقول: إن الاعتقاد في الله من جانب صفاته هو في الوقت نفسه اعتقاد في الإنسان من جانب سلوكه إذا اتخذ ذلك السلوك صورة مثلى. وأما الاعتقاد في وجود الذات الإلهية الموصوفة بتلك الصفات، فهو اعتقاد ينعكس بدوره على حياة الإنسان, وليست المسألة مقصورة على مجرد الاعتقاد وكفى، وإلا لما كان هناك فرق كبير في الحياة العملية بين المعتقد وغير المعتقد".

"وانعكاس ذلك الاعتقاد على الحياة العملية هو الذي يتمثل في وجود هدف أمام الإنسان, ولعل الأزمة الحادة التي يعانيها عصرنا هي أنه لما غاب الاعتقاد الحقيقي بوجود الله من صدور الناس، غاب في الوقت نفسه وجود هدف أسمى تتجه نحوه الحياة. وغياب الهدف على هذا النحو،

<<  <   >  >>