للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأحم، وعصمتي من ذلك التلف المحيط، أنت ضئيل، ولكنك صلب القناة فاحملني على متنك، ونجني من الغرق".

"إن لمصائب الدهر آفاعي أنيابها في الأحشاء، ولكن أذنابها تحت قدمي فلا جعلتك أيها اليراع سكينًا أعض به أذناب المصائب، كلما عضت في كبدي الأنياب ... ليس في الكون ما يذلل أنوفنا ولا القضاء والقدر, أنا ليضربنا القضاء بصرفه، فنضربه باحتقارنا, وتأكل فينا النوائب، فلا نلقاها إلا بإعراض المزدري أو سورة المصاول, لقد كانت لنا جلسات لهو فبادت، ولو عادت لنا لبادت مرة أخرى فما قيمة متاع هو أخدع من وميض المومس، وأسرع زوالًا، لقد رأينا النعيم عارية، سريعة المسترد، ورأينا المقيم الدائم هو البلاء، فأصبحنا مع كرهنا للشفاء نحترم منه الثبات والمصارحة، وأصبحنا مع ميلنا للنعيم نزدري منه التلون".

ولخير للعاقل أن يصارحه البلاء من أن يبيت سخرته وضحكته. فأطرفينا يا نائيات الليالي، ستجدين عندنا فراك من الحمية والشعب الجاهلي، وزلزلي بنا ما استطعت، ولتثر فينا عواطفك حتى يحلها الوهن، ويميتها الكد, إنك ستقطعين قواك على جانبنا الوعر، كما تتفتت الأمواج الطاغية على الساحل الصخري".

"سنصبر على الدهر, إنما الصبر ظهر، سيركبه الإنسان طوعًا أو قسرًا. من لم يسل حسبة واصطبارا، سلا غما واضطرارا. الوجود عبء لا مناص من حمله ... والحياة تدفع جذرها سواء في النفس الغنية الخصبة، وفي النفس اليابسة التربة، والعيش مرحلة يسكلها المرء، وأن أضحت خلاء قواه ... وهل للعطشان في البلد القفر إلا العزاء والتجمل"١.

لمحمد السباعي فلسفة فريدة في الضحك والمرح والسخرية، عبر المازني عنها بقوله: "كان فيه فكاهة حلوة تهون العسير، وتذلك الصعب، وتجلو صدأ العيش، وهي التي يسرت له أن يكون ذلك الرجل العارف بالحياة الذي لا يعدله أحد في الظرف وحسن المراضاة وطيب المعاشرة فقد كان ضحوكًا أبدا"٢.


١ راجع: السمر ص١٠٠-١٠١.
٢ المصدر السابق.

<<  <   >  >>