للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نظام، أو قطعة لا تجري على نسق معين، ولم يتم هضمها في نفس كاتبها, وليس الإنشاء المنظم من المقالة الأدبية في شيء١".

ومع ذلك فيمكن مراعاة أمور عند كتابة المقال من مثل: القدرة على مشاركة من يتحدث عنهم، والعناية بأمورهم الصغيرة والكبيرة، والانفعال والتأثر بما يشعرون به من أمل وألم ورضا وغضب، والتعبير عنه بحيث يساق المقال كالحديث العادي في سهولة لفظه، وقرب معناه، وحسن عرضه، مع ضرورة إقناع القارئ بوجهة نظره، حتى يتخيل أنها وجهة نظر الرأي العام كله في الموضوع الذي يعرض، وعلى الرغم من أن الصحيفة لا تدع للكتاب مجالًا يلاحظ وينفعل ثم يكتب، لكن طول الممارسة يجعل الكتابة الصحفية حرفة لديه، وفنا يملك عليه نفسه، ويستأثر بمحبته.

وعلى الرغم من أن كاتب المقال يشارك الأديب في التأمل والاستيعاب، والانفعال والتأثير، إلا أن بينهما فرقًا كبيرًا، فإذا تأثر الأول بفكرة سجلها مقالًا صحفيا، يخاطب الجماهير به من خلال صحيفة لا تهمله لوحي يأتيه, وبجانب ذلك إلحاح مطبعة الصحيفة عليه ليقدم ما فاض به طبعه، وجاءت به قريحته، ولذا فهو مضطر -دائمًا- أن يظل قرطاسه بين يديه حتى يمد المطبعة والصحيفة بما لا غنى عنه من المادة الصحفية اللازمة. أما الأديب فيطلق العنان لخياله وشعوره وقلمه فيما يكتب لعنايته بنفسه أكثر من غيره، ويمكنه -دون غيره- أن يكتب متى شاء، ويستوحي عاطفته أو عقله متى أراد، ويعاود ما كتبه إذا شاء.

لذا يطلب من الصحفي غير ما يطلب من الشاعر؛ لأنه يخاطب الوجدان ويؤجج المشاعر، والخطيب الذي يلهب الحماس أو يعين برأي في قضايا المجتمع أو مشاكل السياسة، وكذلك الأديب الذي لا يحترف الصحافة؛ لأنه أقرب إلى الشاعر، وإنما يطلب منه أن يتحدث في هدوء ورزانة حديثًا يشعر


١ راجع: جنة العبيط ص٦ زكي نجيب محمود.

<<  <   >  >>