للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القارئ بلذة، ويشركه معه في المسائل التي ترتبط بالحياة العامة، وبعرضها عرضًا يحس القارئ خلاله برضاه أو سخطه، ومن هنا اعتبر مؤرخو الأدب أن الصحافة وسط بين الأدب الخالص والحديث العادي، أو هي "أدب غير خالد" لأن قارئ الصحيفة اليومية يتركها دون رجعة، بينما قارئ الفصل الأدبي أو العلمي يعاوده مرة بعد أخرى، من وقت لآخر.

ويعنى المقال المعاصر بالألفاظ والأسلوب، وعلى كاتبه أن يكون سلس العبارة، عذب الحديث، واضح الفكرة، وأن يبتعد عما يجهد ذهن القارئ، أو يلوي عنان فكره. ويلاحظ على كتاب المقال في الصحف التي برزت بعد ثورة الشعب ١٩١٩ أنهم أدركوا واقع الحياة الزاخرة بالحركة الذاتية، والسرعة الفائقة، وتنوع الأعمال فيها، فلم يفرطوا في طول ما يكتبون، إذ لم يعد وقت لدى المحامي والطبيب والمدرس والمهندس والعامل والتاجر حتى يتصفحوا المقالات المسهبة في الطول. ومن ثم بدأ الكتاب يسايرون أحداث العصر وتطوره، فمالوا إلى المقالات المركزة التي تناسب فئات الشعب ومعظم طبقاته؛ لأن الصحافة "تحدثنا عن أمور تتصل بحياتنا العامة، وتصف لنا وقائعها، وتنقل إلينا صدى ذلك كله في الناس على اختلاف طبقاتهم، وهي بهذا كله لسان "الرأي العام" وترجمان "الوعي القومي" فإذا أقبلنا على قراءة عدد من أعداد صحيفة من الصحف لم تلبث أن تترك هذا العدد إلى غير رجعة١".

ولقد حفلت فترة ما بين الحربين العالميتين بنفر من الكتاب اهتموا بمجالات الفكر والأدب، عني بعضهم بالمضمون والصورة مثل مصطفى صادق الرافعي وأحمد حسن الزيات وغيرهما، واهتم آخرون بالتحليل في كتاباتهم أكثر من الصورة واللفظ من مثل: عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني وغيرهما، وأثرت مجموعة ثالثة الصورة الفنية على المضمون من مثل: محمد حسين هيكل، وطه حسين وغيرهما. كما برزت جماعة تعتبر أساتذة الجيل الصحفي المعاصر من أمثال: محمود أبو الفتح ١٨٨٥-١٩٥٨، ومحمود عزمي ١٨٨٩-١٩٥٤ الذي أسس معهد الصحافة بكلية الأداب، ومحمد التابعي ١٨٩٥-١٩٧٦، وفكري أباظة ١٨٩٧-١٩٧٩ شيخ الصحفيين المصريين، وعلي أمين ١٩١٤- ١٩٧٧ صاحب "فكرة" في الأخبار وأخبار اليوم، وحافظ محمود المولود في ١٩١٧ولا زال يواصل عطاءه الصحفي حتى اليوم، وقد أمد تاريخ الصحافة والإعلام بمؤلفات عدة أهمها: أسرار الصحافة المصرية، وذكريات صحفية، وأسرار الماضي في السياسة والصحافة، ومعارك صحفية.

ويغلب على المقال منذ مطلع هذا القرن أن يكون عرضيا أو نقديا أو نزاليا، وسنضع أمام ناظريك تعريفا ومثالًا لكل لون من هذه الألوان.


١ راجع: أدب المقالة الصحفية جـ١ ص٢١٥ عبد اللطيف حمزة طبعة ١٩٦٤.

<<  <   >  >>