للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الخلاف في البيت الواحد, ويحدث في المدينة الواحدة، يحدث هذا على مستوى الأشقاء، ويحدث هذا على مستوى الزوجين، بل يحدث هذا بين الأبناء والآباء حتى بين الرسل منذ اختلف نوح مع ابنه، وإبراهيم مع أبيه, لماذا هذه الظاهرة الجديدة علينا, والجديدة بيننا, كلما اختلف مصريان تحول الخلاف إلى دينين سمحين ليست في طبيعتهما الصافية النقية ما يحصل عليهما حملًا أو يلصق بهما إلصاقا؟ وفي مصر خاصة تعانق الدينان منذ البداية، فنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم أصهر إلى مسيحي مصر وأنجب من المصرية الرقيقة مارية القبطية ابنه إبراهيم فصرنا لها أصهارًا ولابنه أخوالًا, والإسلام من دون الأديان جميعًا جعل الإيمان برسالات السماء جميعًا شرطًا للإيمان به, وحماية الرسول صلى الله عليه وسلم، منهم بلال الحبشي، وسليمان الفارسي، وأبو رافع القبطي المصري، وأشهر وأيسر قراءة في القرآن الكريم قراءة "ورش" وهو مصري قبطي".

"وحين تكلمت مصر العربية ووقفت وراءها بالعطاء العلمي والفني، كانت لها وللإسلام بيئة حضارية قام عليها بناؤه، فجمعت مصر الحديث الشريف، وفسرت القرآن الكريم، ورتلت الأذان، وكتبت الموسوعات، وكيفت المذاهب الفقهية كمذهب الإمام الشافعي والإمام مالك، وأعملت رأيها في كل شيء، ووضعت بصمتها على كل شيء, بل وضعت قاموس العربية الأكبر: "لسان العرب" من ٢٤ جزءًا وضعه ابن منظور المصري, حين فعلت مصر هذا من خلال الرجال العلماء كان من بين هؤلاء من المسلمين: علي بن منجب الصيرفي الذي نقل عنه صاحب خريدة القصر, ومنهم القفطي والسخاوي والبوصيري صاحب البردة والإمام الليث بن سعد ومنهم من المسيحيين ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونيين وملوي وأول من ألف بالعربية من الأقباط، وكتابة "تاريخ البطارقة" موسوعة استمد منها المقريزي الكثير من خططه كما نقل عنه القلقشندي في كتابه "صبح الأعشى". ومن رجال مصر من الأقباط الذين أسهموا في التأليف في علوم العربية وأدابها سعيد بن بطريق، وبنو العسال، وجرجس بن العميد المعروف بابن المكين صاحب كتاب "تاريخ المسلمين" والمفضل بن أبي المفضال، وبطرس أبو شاكر ويعرف بابن الراهب، وابن كير وهو شمس الرياسة أبو البركات

<<  <   >  >>