للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الأجهزة الإلكترونية التي تعمل الآن بالفعل في هذا المضمار، ولكنها تعديلات بسيطة على كل حال.

ثانيًا: هناك نوع من الطغيان العلمي على أقلام الأدباء من شعراء وناثرين, فلقد انتحى كثير من الأدباء إلى العلوم المتباينة يكتبون فيها, وبخاصة علم النفس، وبتعبير آخر صار العلم المتأدب يحتل مكانة رئيسية في المجالات الأدبية, وهذا معناه أن الرومانسية والتعبير عن الذات قد اأنزويا أو كاد أمام تيارات العلم المتأدب.

ثالثًا: لا شك أيضًا أن التذرع بالعلم والتكنولوجيا أكسب ماديا ويبشر بالمستقبل الباسم لمن يقضي وقته فيهما, ومن ثم فإن الكثير من الشباب من ذوي الاستعدادات الأدبية النادرة، قد اختاروا طريق العلم والتكنولوجيا، وقد أشاحوا تمامًا عن طريق الأدب الذي لا يبشر بكسب أو بمستقبل, وهكذا نجد أن قياس النجاح في هذا العصر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاشتغال بالعلم والتكنولوجيا. وها أنت ترى أن الكليات العلمية والتطبيقية وقد غصت بالطلاب والدارسين، بينما خف الضغط نسبيا عن كليات الآداب.

رابعًا: يظن البعض أن التليفزيون والسينما يشجعان الأعمال الأدبية القصصية التي يعرضانها, والواقع في رأينا أنهما يقومان بقتل تلك الأعمال واغتيالها وإفراغها من مضمونها الأدبي, فإذا أنت قارنت بين العمل الأدبي كما ألفه صاحبه، وبين نفس ذلك العمل الأدبي بعد إخضاعه للسيناريو ثم للإخراج والتمثيل، فإنك ستجد أن الأصل كان عملًا أدبيا رائعًا، أما العمل المعروض على الشاشة فإنه عمل تجاري أو جماهيري. ذلك أن القائمين على الأعمال السينمائية والتليفزيونية لهم قواعدهم التي يخضعون لها عندما يقومون بإعادة صياغته لعرضه على الشاشة، فما يصلح للإبقاء عليه للسينما والتليفزيون هي القشور لا الجوهر, أو قل هي الفكرة العامة وليس الدقائق التي تعطي العمل الأدبي أو القصة الروعة والحلاوة الأدبية. وهذه شهادة الكثيرين من أصحاب الأعمال القصصية أنفسهم التي عرضت على الشاشتين الكبيرة والصغيرة.

خامسًا: لا شك أن وسائل الأعلام المسموعة والمرئية -وهي نتاجات علمية وتكنولوجية بالدرجة الأولى- قد استولت على أسماع وأنظار الغالبية العظمى من المواطنين، فهي بذلك تكون قد نبهت غالبية وقت فراغ الناس, وهو الوقت الذي كانوا يقضون جله في القراءة الأدبية وفي الإبداع الأدبي, ناهيك عن أن مجالات النشر قد سدت أمام شباب الأدباء الذين يرغبون في نشر ما يبدعون، وذلك لأن الإقبال على شراء المواد المطبوعة -وبخاصة المواد الجادة منها- قد قل بدرجة خطيرة مما يهدد الأدب والإنتاج الأدبي بالاضمحلال.

وهكذا نجد أن الفن والأدب قد تراجعا ويتراجعان أمام تيار العلم والتكنولوجيا, والله وحده يعلم ما سيكون مصيرهما بعد أن تستولي الأجهزة الإلكترونية على مقاليد الإنتاج الفني والأدبي استيلاء تاما١.


١ راجع: الأهرام الصادر في ٨/ ٧/ ١٩٨١.

<<  <   >  >>