"ويحفظ لنا التاريخ حوار بين النبي صلى الله عليه وسلم ووفد نصارى "نجران" حينما جاءوا إليه في المدينة في عام الوفود لمناقشته ما جاء به، لقد سمح لهم بالصلاة في مسجده، وطال النقاش بين الطرفين, هو يشرح لهم رسالته الخاتمة، وهم يرفضون، فلم يؤذهم ولم يحرض عليهم، وإنما دعاهم في النهاية إلى "المباهلة" وهي صلاة مشتركة يدعو فيها الطرفان الله على الكاذب منهما، ويحكيها القرآن الكريم بقوله تعالى:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} فاعتذر وفد نصارى نجران عن الاشتراك في هذه "المباهلة" ورضوا لأنفسهم البقاء على عقيدتهم، فتركهم النبي وما أرادوا، وكفوا هم أيديهم عنه، وزاد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه على ذلك بأن أعطاهم الأمان على أنفسهم وديارهم وأموالهم. أمام هذا التسامح الديني والمنطق التشريعي لا يحل لمختلفين دينا أن يتشاجرا ويتقاتلا، وإذا لم يستطيعا قضى خلافهما بالتسامح أو الحسنى فإن القانون كفيل بأن يعطي كل ذي حق حقه".
"هكذا يعرف المسلمون الإسلام، ويعرف المسيحيون المسيحية، ويعرف كل منهما الآخر بحقائق دينه، ولم يستطع شعب من شعوب الأرض على مدى تاريخه أن يترجم هذه المعرفة إلى حياة عملية وواقعية مثالية أكثر من شعب مصر، فعلى الرغم مما حدث في الزاوية الحمراء فإن المسلمين والمسيحيين يتعايشون ويتعاملون ويتزاورون في الصحة والمرض, ويتحابون في كل حي في القاهرة وفي غيرها من المدن والقرى، يعلنون أسفهم لما حدث ويطلبون التحاكم إلى القانون والضرب على أيدي المذنبين وأنصار الفتنة، ومن هنا فإن إلصاق ما حدث أخيرا بنزاع بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية هو محض افتراء١".
ثالثًا: كتب الأستاذ أبو الحجاج حافظ مقالا، تضمن قصة قصيرة
١ راجع: الجمهورية الصادرة في يوم الجمعة ٢٦/ ٦/ ١٩٨١.