للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجسم لا يكون كما هو عند مفارقته النفس، ولا النفس كالحلاوة في العسل؛ لأن الحلاوة عرضية، ولأن النفس رئيسة للبدن، والبدن مرءوس. وليست الحلاوة عرضية، ولأن النفس رئيسة للبدن، والبدن مرءوس. وليست الحلاوة رئيسة للعسل، وإنما هي بمنزلة شعاع الشمس -كما قلنا- وهي حية بذاتها، والكون كله مظاهر للنفس، فلكل شيء في الكون نفس وهو مظهرها، وهي مفطورة على صورة الفاطر جل وعلا؛ ولذلك جاء في الحديث: "إن الله خلق آدم على صورته" ١.

وبمثل هذه الكتابات أصبح المقال يشبه الكتاب الصغير الذي يضم القديم والجديد في الأدب، ويترجم لأعلام الغرب والشرق، ويقدم دراسات في الفنون حينا، وفي الشعر والشعراء حينا آخر، وفي النظم السياسية حينا ثالثا. وبذلك وصل الكتاب في مقالاتهم إلى درجة الإبداع، وتخصص نفر منهم في مجالات الفكر والأدب، فوضعوا أمام الأجيال منارات تهدي إلى أقوم السبل في الحياة الأدبية.

ومن ثم وطدت دعائم المقال الأدبي، ورسخت أصوله حتى أصبح معرضا لكثير من ضروب المعرفة، وحقائق الأدب، وألوان الثقافة، وبذلك أوجد وعيا علميا وأدبيا فنيا، ونهض يعمق شعور القراء، ويساعدهم على تفهم الحقائق حولهم في ضوء غامر من النقد والتحليل والمعرفة.

ولا نبالغ إذا قلنا: إن هذا الطور شهد خلق الوعي الاجتماعي، والإبداع الأدبي، وتعدد فنون القول، وأصبح المقال فيه أداة التعبير في التأليف والترجمة والإذاعة والصحافة وشتى ألوان النثر.


١ راجع: فيض الخاطر جـ٩ ص١٧٨ وما بعدها، الطبعة الأولى ١٩٥٥.

<<  <   >  >>