للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حين ليحول تلك الألفاظ إلى الكلام المأنوس، وفي ذلك منهج مقبول في إحياء المهجور من المفردات اللغوية، فلم تخلق تلك المفردات مهجورة، وإنما عاشت دهورا ثم تناساها الكتاب والشعراء، فأضيفت ظلما إلى القريب.

والزيت لم يبتر هذا المنهج بين أدباء العصر الحديث، فقد اختطه المرحوم الشيخ حمزة فتح الله، والمرحوم السيد توفيق البكري، ودعا إليه استأذنا الشيخ محمد المهدي، ولكن مزية الزيات هي القصد في الإغراب بحيث لا يقع منه في المقال الواحد غير لفظة أو لفظتين، وذلك يزيد ثروة القارئ من الوجهة اللغوية بدون أن يوقعه في التعنت والارتباك.

ويستطيع الدارس وهو يراجع "وحي الرسالة" أن يقيد هذا النوع من المفردات؛ لأن إحياء تلك المفردات خصيصة أصيلة من خصائص هذا الكتاب، ولتوضيح هذه المسألة أذكر كلمة "الريازة" بمعنى العمارة، ثم أترك للدارس حرية الاستقصاء ليعرف أنه قرأ واستفاد"١.

ويتحدث أحمد أمين عن "عينية" ابن سينا فيقول: "العينية هذه تدور حول حالة النفس قبل اتصالها بالبدن، وبعد اتصالها به، وبعد مفارقتها له، فهو يرى كفلاسفة القرون الوسطى أن النفس كانت قبل البدن بعهد طويل، تتمتع بكل ما تتمتع به العناصر الروحية المجردة، ثم تحل بالأجساد حين يخلق الجسم في الرحم فتحل فيه وهي كارهة، ولكنه إذا طالت مدتها ألفته، ثم إذا هي فارقته بالموت فارقته وهي كارهة. والجسد يجري من النفس مجرى الثوب من البدن، فإن الجسد يحرك الثوب بواسطة أعضائه الظاهرة، والنفس تحرك البدن بواسطة قوى حقيقية مناسبة، فهي التي تحرك العين واليد والرجل وغيرها، فإذا فارقته عدم الحركة. وكلمة "الإنسان" تطلق عليهما معا، وتطلق على النفس حقيقة، وعلى الجسم وحده مجازا، كما يسمى ضوء الشمس شمسا، وهذه النفس لا تتجرأ بذاتها، وإنما تتجزأ بأعراضها، وليست النفس في البدن كالماء في الإناء، إذا فرغ الماء بقي الإناء كما هو حين حلوله به،


١ راجع: زكي مبارك ناقدا ص١٦ وما بعدها، طبعة الشعب ١٩٧٨.

<<  <   >  >>