المطلقة لكل طائفة دينية في تنظيم شئونها التعليمية والإدارية, فأصبح رئيس كل طائفة يدير أمورها على النحو الذي يرتضيه, ويخدم مصالح الدولة الأجنبية التي تحميه. فتقلّص النفوذ العثماني بالتدرج على لبنان, حتى أصبح أثرًا بعد عين بهزيمة الأتراك في الحرب الأولى ١٩١٨, ثم وافق مؤتمر سان ريمو ١٩٢٠ على انتداب فرنسا على سوريا ولبنان, وحتى عام ١٩٤١ وبالرغم من قيام حكومة لبنانية مستقلّة إلّا أن سيطرة الصليبية المتعاونة مع الصهيونية العالمية, وحركة الإلحاد العالمي, لم ينقطع تأثيرها على لبنان منذ ذلك التاريخ.
مأساة حديثة وتدبير قديم:
إن لبنان أكثر بلاد الإسلام والعروبة تعرضًا للأخطار التي يتهددها من الثالوث غير المقدَّس "الصليبية والصهيونية والإلحاد", فعلى أرضها تمارس الآن لعبة الصراع الدولي متَّخِذَة من ظروف لبنان والطائفية فيه وسيلةً لتحقيق الأطماع التي تتلخّص في شيء جوهري واحد, هو سلخه من دائرة العروبة والإسلام.
وقد برزت خيوط هذه المأساة باندلاع الحرب الأهلية في لبنان في ١٣ أبريل ١٩٧٥, تلك الحرب التي يحاول العقلاء حصر نيرانها حتى لا يأتي لهيبها على كل شيء، ويمتد شرها وويلاتها على كل بقعة في أقطار العرب والإسلام، وما تزال تنجلي كل يوم عن مزيد من الضحايا الذين يتساقطون في غير ميدان جهاد, وفي غير حرب للدنيا أو الآخرة.
ولا يمكن للدارس الإلمام بأطراف المشكلة اللبنانية, ودوافع الحرب الأهلية فيها, إلّا بمعرفة مدى الأطماع الصليبية في لبنان قديمًا وحديثًا, وبالإحاطة التامَّة بطبيعة الطائفية الدينية في لبنان, والإلمام بنظام الحكم الذي وضعته القوى العالمية المتصارعة الآن على لبنان, وسنتحدث بإيجاز عن هذه الجوانب؛ لأنَّ كل جانب منها يحتاج إلى مجلدات.