توزعت مناطق التجمع والتحضر القديمة في الأجزاء الوسطى والشمالية من شبه الجزيرة العربية بشرقها وغربها. على نحو ما توزعت به في الجنوب تحت تأثير عدد من العوامل الاقتصادية والعوامل الجغرافية. فانتشر أغلبها حول الطرق التجارية الرئيسية الواصلة بين أجزاء شبه الجزيرة والمؤدية منها إلى البلاد المجاورة، كما انتشر بعضها على مناطق الحواف بين أطراف الصحراء وبين حدود دول الهلال الخصيب القريبة منها، فضلًا عن انتشارها الداخلي في الواحات والنجوع والقرى حول العيون والآبار والنهيرات الصغيرة وفي مناطق الحرات.
وانصرفت تسمية عرب، التي تداولتها نصوص التاريخ القديم على العرب الشماليين أكثر منها على العرب الجنوبيين، كما انصرفت للدلالة على أعراب البادية أكثر منها على أهل الحواضر. وذلك على الرغم مما تناقلته أغلب مؤلفات الأخباريين من تسمية أهل الجنوب باسم العرب العاربة وتسمية أهل الشمال باسم العرب المستعربة.
أ) في العصر الأشوري:
اتسع المجال العربى في عصوره القديمة لما كان يتعدى شبه الجزيرة إلى قرب بوادي الشام والعراق وسيناء أيضًا. وبهذا المعنى الواسع ورد أقدم لفظ مكتوب مؤكد لتسمية العرب في النصوص المسمارية الآشورية خلال القرن التاسع قبل الميلاد على نحو ما سلف ذكره في مقدمة هذا الكتاب. ولا يعني وروده في هذا القرن بداية ظهوره أو بداية ظهور العرب بحال من الأحوال. فهناك قرائن عدة تناولنا بعضها في فصول سابقة ونتناول بعضها الآخر في مناسبات تالية، تدل على قدم وجود العرب بخصائصهم وخصائص لغتهم منذ عهود سبقته بآمال طويلة. ومن الباحثين من يحتمل ورود تعبير قريب من تعبير العرب في نص مسماري من عهد نارام سين الملك السامي الآكدي خلال القرن الثالث والعشرين