اختلفت نشأة هذه الدولة عن نشأة غيرها من الدول في أنهالم تبدأ ببداية زاهرة، وإنما قامت خلال ظروف مضطربة استمرت أكثر من قرن ونصف القرن بين عام ٩٠م وعام ٢٦٥م، وهي ظروف لازالت تفاصيلها خافية ونصوصها متضاربة.
وكانت قد ظهرت بين القبائل العربية الجنوبية والوسطى خلال القرن الأول الميلادي روح من التنافس الشديد ورغبة الانتشار وأطماع الرياسة والسيادة، لأسباب غير محددة، قد تكون منها تلك المحنة التي هزت كيان دولة سبأ خلال الحملة الرومانية عليها، ورؤية دول الجنوب تنهار واحدة بعد واحدة لسبب أو لآخر، وزيادة ثراء بعض المناطق مع افتقار مناطق أخرى نتيجة للمنافسة بين التجارة البحرية والتجارة البرية. وقد يكون منها كذلك ما جد من انتشار الخيول والقوات الراكبة بين رجال القبائل وما أدى إليه هذا من سرعة الحركة والكر والفر والشعور بالزهو، وهلم جرا.
وكانت أكثر القبائل السبأية شهرة خارج مأرب هي قبائل مرئد وجرت التي ارتبطت بأسرة ملوك سبأ بروابط الأصل والنسب. ولهذا ظلت صلات المودة غالبة بينها وبينهم، ولكن هذا لم يمنع بعض حكامها الكبار الذين كانوا يتلقبون من قبل بألقاب الأقيان أو الأقيال من أن يتلقبوا بلقب "ملك" بين حين وآخر، بل ولقب ملك سبأ أيضًا، الأمر الذي تقبله الملك السبأي الشرعي في مأرب، في بعض الحالات، على مضض حتى يبقوا مساندين له.
وفي الوقت نفسه ظلت أكثر القبائل القريبة من مأرب، عددًا وبأسًا، هي قبائل سمعي التي ضمت أثلاث: سخيم، وبتع، وهمدان (والأخيرة هي التي انتسب إليها فيما بعد الرحالة أبو محمد الحسن الهمداني أشهر من كتب في العصور الإسلامية عن جغرافية شبه الجزيرة العربية وتاريخها).