توافرت لدولة سبأ بين المؤرخين القدماء والمحدثين شهرة لم تتوافر لما عداها من بقية الدول العربية الجنوبية القديمة. وترجع عوامل هذه الشهرة إلى عدة أسباب، أهمها: ذكر سبأ في أكثر من قصة من قصص العهد القديم، وفي أكثر من آية من آيات القرآن الكريم، وذكر أسماء بعض حكامها صراحة في النصوص المسمارية العراقية منذ القرن الثامن قبل الميلاد، واستمرار كيانها السياسي المتطور إلى ما قبل ظهور الإسلام بقليل، وارتباطها بعدة حوادث دينية وسياسية تأثر بها العرب الشماليون والجنوبيون قبيل ظهور الإسلام بقليل أيضًا، ثم بقاء بعض معابدها ومنشأتها الكبرى ظاهرة فوق سطح الأرض خلال العصور الإسلامية نفسها وحتى الآن.
مشكلة النشأة:
تناول بعض المستشرقين نشأة السبأيين (أو السبئيين كما يكتب اللفظ أحيانًا) من أكثر من زاوية واحدة، ويمكن إيجاز آرائهم فيها في نظريتين رئيسيتين، وهما:
أولًا: نظرية زكاها عدد من الباحثين (مثل شرادر وكيبرت وهارتمان ودلتش وفريتز هومل)، ورأوا فيها أن السبأيين عاشوا أصلًا في شمال شبه الجزيرة العربية قرب منطقة الجوف الشمالي واستمروا فيها على البداوة زمنًا طويلًا، ثم دفعتهم دوافع معينة إلى الاتجاه نحو جنوب شبه الجزيرة قبيل بداية القرن الثامن ق. م بقليل حيث استقروا فيه. واعتمدت هذه النظرية على عدة قرائن سوف نناقشها واحدة بعد الأخرى بعد قليل.
ثانيًا: نظرية ألمح إليها باحثون آخرون (ومنهم مولر وجلاسر وفنكلر ومايرثم ألوا موزيل). ويرون فيها أن السبأيين عاشوا منذ بداية أمرهم في الجنوب العربي، ولكن جالية منهم اتجهت خلال القرن الثامن ق. م أو قبله بقليل إلى الشمال وأقامت قرب واحة تيماء ومنطقة الجوف الشمالي لترعى المصالح التجارية لقومها في شمال شبه الجزيرة وعلى طرق القوافل المتجهة منها إلى الهلال الخصيب.
ومع منطقية كل من هاتين النظريتين، يبدو أن النظرية الثانية منهما هي الأقرب إلى الصواب ولاسيما فيما يختص بأحوال السبأيين في عصورهم التاريخية.