[الفصل الأول: مصادر التاريخ العربي القديم ودراساته الأثرية الحديثة]
...
الفصل الأول: مصادر البحث فى التاريخ العربي القديم ومراحل دراستها الحديثة
تعاقبت على شبه الجزيرة العربية خلال تاريخها القديم عصور كثيرة سبقت عهود الجاهلية بمعناها المحدود بقرون طويلة. وتعددت مصادر البحث فى تاريخ هذه العصور- ويمكن عرضها على النحو التالي:
أولا: الآثار المادية الباقية، وهذه تبدأ بما خلفه إنسانها البدائي القديم في دهوره الحجرية من أدوات حجرية متواضعة، وما خطه من رسوم بدائية متفرقة. ثم تتضمن أساسًا ما تركته الجماعات العربية المتحضرة فى عصورها التاريخية القديمة من آثار معمارية قائمة كبقايا المعابد والأسوار والسدود، والحصون والأبراج، والمساكن والمقابر، وما عثر عليه فى هذه وتلك من آثار منقولة متنوعة لأدوات الاستعمال اليومي وأدوات الزينة وفنون النحت والنقش، في مناطق عدة من أنحاء شبه الجزيرة العربية.
والآثار فيما نعلم هى التاريخ الحي لأهلها، أو هي الشاهد الصادق على حضارة أصحابها، فهي تكشف عن مدى التقدم أو مدى البداءة في إنتاجهم، ومدى الثراء أو مدى الفقر فى إمكاناتهم، ومدى الأصالة أو مدى التقليد في صناعاتهم، ومدى التأثر أو مدى التأثير بين حضارتهم وبين حضارات جيرانهم. ثم هى تعبر عن هيئاتهم وأزيائهم وطبيعة أذواقهم، ولا جدال فى أنه كلما زاد الكشف عن هذه الآثار كلما زادت الحصيلة التى يستنتج منها تاريخ بلدها وقومها.
وقد يضاف إلى مدلول الآثار ما يهتم به علماء الأنثروبولوجي من دراسة الهياكل البشرية التي يمكن أن تحدد السلالات ومدى النقاء أو مدى الاختلاط النسبي فيها. ثم ما يهتم به علماء الجيولوجيا والجغرافيا الطبيعية والتاريخية من دراسة التكوينات البيئية لتحديد الأماكن القديمة للآبار والواحات والمناجم، ومواطن الاستقرار والاستثمار القديمة، فضلا عن ظروف المناخ واتجاهات