شغلت حضرموت منطقة واسعة من جنوب شبه الجزيرة العربية، وجمعت في أرضها الواسعة بين الجبال العالية وبين الوديان العميقة. ويبدو أن واديها الكبير وادي حضرموت كان مجرى مائيًا ضخمًا خلال الدهور المطيرة القديمة، ويمتد جزؤه الخصب نحو ٦٠ ميلًا وتجري فيه بضعه أنهار صغيرة منها نهر ميفع وهو نهر يحتمل أن يكون لاسمه صلة قديمة باسم مدينة ميفعة التي كانت من أقدم العواصم المعروفة لحضرموت.
وانتفعت حضرموت بساحل طويل على بحر العرب أو المحيط الهندي قامت عليه ميناء رئيسية أسمتها النصوص القديمة قنأ، وأطلق العبرانيون القدماء عليها اسم كنية، بينما أطلق الإغريق عليها اسم كاني Cane وتقوم على أطلالها بير علي الحالية.
ولا يزال المعروف من تاريخ المراحل الأولى لحضرموت قليلًا -ولازال الخلاف بين تقديرات الباحثين لبداية تكوينها السياسي واسعًا، فبينما أخذ فلبي برأي هومل ببداية عصور الملكية فيها بأواخر القرن الحادي عشر ق. م. أرخها ألبرايت بأواخر القرن الخامس ق. م. على أساس أنه بعد أن اختفت شخصية كرب إيل وتر السبأي القوية من الجنوب قامت الملكية في حضرموت وربما بدأت بما يشبه التبعية لدولة معين بحيث حكمهما معًا ملك واحد يدعى صدق إيل. وإذا صح هذا فقد يعني ترابط الجارتين معين وحضرموت في مجالات التجارة وتخالفهما للوقوف في وجه دولة سبأ ذات المطامع الواسعة. وبعد جيلين أو ثلاثة انفرد بحكم حضرموت أمير من أصل معيني يدعى معدكرب أسس بها أسرة حكم مستقلة، مع بقاء العلاقات الودية بين البيتين الحاكمين قائمة بحيث كان الكتبة في كل منهما يسجلون أحيانًا اسم ملك الدولة الثانية إلى جانب اسم ملكهم في النصوص التي تتناول ذكر المنشآت الجديدة والاحتفالات الكبيرة. وامتد هذا الوضع الذي لازال الشك يحيط بتفاصيل فترة صعب تحديد أمدها، ثم غابت