اصطبغت سلطة أوائل حكام دولة سبأ بصبغة ثيوقراطية أودينية، فتلقب كل منهم بلقب مكرب وهو لقب لايزال غير محدد النطق والدلالة، وإن أمكن تفسيره احتمالًا بمعنى المقرب للمعبودات، أي من يشرف على توفير القرابين وتقديمها إلى معابدهم. أو بمعنى المقرب بين شعبه وبين معبوداته باعتباره وسيطًا مقدسًا بينهما، أو بمعنى المقرب إلى أربابه. وهو على أي وجه من هذه الوجوه يتولى رياسة الكهنوت في دولته ويضمن إحاطة حكمه بقداسة روحية تكفل احترام الناس له وتدعوهم إلى تأييده. وتوافرت لهذه الصبغة الثيوقراطية سوابقها في أمم شرقية قديمة، فتلقب أوائل الحكام السومريين في العراق، على سبيل المثال، بلقب إنسي أي النائب أو الوكيل، إشارة إلى وكالته عن معبود مدينته في حكم أهلها، وإشارة إلى القداسة بالوكالة التي يرتكز علهيا في ممارسة سلطاته الدينية والمدنية. وتكررت نفس الظاهرة في دول عربية جنوبية أخرى عاصرت السبئيين في بعض مراحل تاريخهم، وكان منها أن تلقب أوائل الحكام في دولة معين بلقب مزود، وهو ما سوف نتناول مدلوله في حينه.
ولا زال الجدل التاريخي قائمًا في شأن تحديد البداية الزمنية لعهود المكربين السبئيين (أو المكارب السبئيين). فبينما يلتزم باحثون بوضع عهد حاكمة سبأ المعاصرة لسليمان موضع الاعتبار وبدء قيام دولتها بالتالي بالقرن الحادي عشر ق. م. أو نحوه، يكتفي بعض الباحثين الآخرين بالاقتصار على عهود الحكام الذين سجلت النصوص القديمة أسماءهم، ضاربين صفحًا عن عهود ما قبل معرفة الكتابة في سبأ، ولا يذهبون بتاريخ الدولة المؤكد بناء على ذلك إلى أبعد من عهد يثع أمر السبئي الذي ذكره نص سرجون الثاني ملك آشور في عام ٧١٥ أو عام ٧١٤ق. م.، وربما قبل ذلك بفترات قليلة.
وقام جدل تاريخي مماثل حول أعداد المكربين الذين أتوا بعد يثع أمر وسبقوا عهود الملكية الصريحة في سبأ فتراوحت النظريات في تقدير عددهم بين ١٠٠، ١٣٠، ١٧٠، ٢٧٠. ولكل نظرية مبرراتها بطبيعة الحال.