لقبائل كندة تاريخ قديم قد لا تتأخر نشأته عن نشأة تاريخ تنوخ. وقد امتدت أيامها حتى نافست المناذرة والغساسنة في عنفوان مجدهم. ولكن أحاط الغموض بتاريخ كندة أكثر مما أحاط بتاريخ هؤلاء وهؤلاء. ويرجع هذا الغموض إلى عدة أسباب، أهمها أنه لم تكتشف لجماعات كندة آثار قائمة مهمة أو نصوص وفيرة، وأن وجودهم في أغلب عهودهم في قلب البادية أقصاهم إلى حد ما عن معرفة المؤرخين الكلاسيكيين والبيزنطيين فيما خلا إشارات مختصرة ذكرها عنهم كل من بليني وبطلميوس وننوسوس وبروكوبيوس، ومالالاس، وثيوفانيس، ويوشع.
وهي في مجملها إشارات تحتمل كثيرًا من الجدل. ثم إن أوائل المؤرخين والأدباء المسلمين الذين كتبوا عن كندة وملوكها تأثروا إلى حد ما بميولهم القبلية، ونقلوا قصصها من مصادر متضاربة فخرجت أخبارهم عنها متباينة مختلطة.
واستفادت أغلب روايات المؤرخين والأدباء المسلمين القدامى من مؤلفات هشام بن محمد الكلبي المفقودة الآن للأسف وأخصها كتاب ملوك كندة وكتاب الكلاب الأول، وكتاب الكلاب الثاني ... إلخ. كما استفادت أغلب الدراسات الحديثة عن كندة مما حققه المستشرق جونار أو لندر عن ملوك كندة أو أسرة آكل المرار في مؤلفه المنشور في عام ١٩٢٧.
ثم نشرت في الأعوام الأخيرة بضعة نصوص سبأية وحميرية ألقت ضوءًا جديدًا على نشأة كندة وأرجعتها إلى عهود أقدم مما تخيله المؤرخون المسلمون عنها.
وسوف نبدأ بما أتت به المصادر الإسلامية القديمة ونستعين بما حققه أو لندر منها. ثم نعقب أخيرًا بما أضافته حديثاً قراءة النصوص الأثرية القديمة إلى المعروف عن تاريخ كندة.
رد أغلب المؤرخين المسلمين كندة إلى أصل قحطاني، ورووا أنها أقامت في بداية أمرها في شرقي اليمن وغربي حضرموت، ثم احتدمت المنازعات بينها