ثانيًا: النصوص العربية القديمة التي عثر عليها داخل شبه الجزيرة وخارجها، سواء كتبت بخطوط المسند ومشتقاتها، أم بالخطوط الآرامية -لا سيما النبطية- والتدمرية، أم بالخطوط العربية الخالصة.
والنصوص سواء أكانت شخصية أم سياسية أم حربية أم دينية تمثل ثروة تاريخية مفيدة، وتسجل رأي أهلها فى أنفسهم ووجهات نظرهم فى علاقاتهم بجيرانهم. ولكنها إذا عوملت بموازين النقد العلمي احتمل بعضها الشك كما يحتمل بعضها التأييد. وبتعبير آخر فإن النصوص القديمة مع أهميتها فى التعبير عن آراء أصحابها لا تخلو عادة من مبالغات فى تضخيم الانتصارات إذا كانت نصوصًا حربية. ولا تخلو من الإسراف فى تعظيم وتقديس الملوك والرؤساء إذا كانت نصوصًا رسمية أو نصوصًا للموظفين وأتباع الحكام. ولا تخلو من ادعاءات بالصلاح والإصلاح إذا كانت نصوصًا شخصية. ولا تخلو من تكرار وسذاجة إذا كان كتبتها من الأفراد البسطاء. ولا تخلو من غموض الاصطلاحات إذا كانت نصوصًا إدارية أو تقنينية. ولا تخلو من تخيلات وأوهام إذا كانت نصوصًا عقائدية أو سحرية. ولكنها فى مجملها، وعلى الرغم من ذلك كله، هي المصدر الرئيسي لتصوير عادات أهلها وعقائدهم وأوضاعهم السياسية والاجتماعية وعلاقاتهم الخارجية، فضلا على ما يمكن أن يستفاد به من بين سطورها مما لم يشأ كتبتها أن يفصحوا عنه صراحة من مشكلات عصورهم.
وجلي أن ما عقبنا به هنا على إيجابيات وسلبيات الآثار والنصوص العربية القديمة يمكن أن يقال كذلك عن بقية الآثار والنصوص القديمة كلها.
ثالثًا: النصوص المسمارية التي تحدثت عن علاقات بعض دول العراق القديمة بعدد من قبائل ودويلات شبه الجزيرة منذ القرن التاسع ق. م. وهذه هي الأخرى لا تخلو من قيمة ولا تخلو من شك في الوقت ذاته.
فهي قد اعتادت على أن تنسب إلى أصحابها الآشوريين والبابليين سلطانًا واسعًا، وأسرفت فى تصوير انتصاراتهم الحربية على العرب -أو الأعراب. وتعتبر في أغلبها نصوصًا تدل على جانب واحد نظرًا لأنه لم يعثر على نصوص عربية تقابلها وتعاصرها وتشرح وجهة نظر أصحابها إلا فى القليل النادر. وذلك ما يعني أنه ليس من ضرورة إلى التسليم بحرفية أخبارها. ولكن نفس هذه النصوص المسمارية على الرغم من تحيزها ومبالغاتها لم تخل مما يستفاد به منها. فهي أقدم المصادر التى سجلت تسمية العرب كتابة منذ أواسط القرن التاسع ق. م. بصيغ أربي وأريبي وأريبو كما أسلفنا. وهى المصادر الوحيدة حتى الآن التي