للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مدين ما جعلها تنتفع كذلك بعدد من الواحات الخصبة في شئون الزراعة، وربما انتفعت أيضًا بساحلها المطل على البحر الأحمر في النشاط البحري. وكانت أكبر واحات المنطقة هي واحة البدع وتركزت حولها أهم جماعات مدين. وأدت كثرة مياهها وكثرة ما ينمو فيها وفيما يمتد منها إلى ساحل البحر من الأشجار ونخيل التمر والدوم، إلى اتجاه بعض المؤرخين المسلمين إلى ربطها باسم الأيكة بمعنى الغيضة أو الشجر الكثيف الملتف، واعتبروها على هذا الأساس هي الأيكة التي ذكر القرآن الكريم أن أصحابها كذبوا المرسلين.

ووافق بعض الباحثين الغربيين على فكرة الربط بين أرض مدين وبين الأيكة فعلًا ولكنهم فسروا اسم الأيكة بطريقة أخرى، فاعتبروه النطق العربي لكلمة Leuke التي أطلقها بعض الإغريق على الميناء البحرية الواقعة في أرض مدين حين سموها Leuke Kome بمعني القرية البيضاء، وهو المعنى الذي يشبه اسم ميناء الحوراء أو أملج الحالية الواقعة إلى الجنوب الغربي من واحة البدع. ولا يزال التفسير الأول أي: تفسير المؤرخين المسلمين لكلمة الأيكة هو الأكثر شيوعًا.

ويفهم من قصص التوراة أن عداء أهل مدين للعبرانيين بدأ منذ عهد موسى عليه السلام، وذلك ما يمكن تفسيره بما أسلفناه من أنهم تألفوا من قبائل عدة. ربما صادقت إحداها موسى بعد أن تزوج منها، بينما جاهرت القبائل الأخرى قومه اليهود بالعداء بعد أن خشيت منهم على أرضها وتجارتها.

وزاد عداء مدين للأسرائيليين حينما زادت أطماع هؤلاء الأخيرين في فلسطين وما يليها جنوبًا على عهد ملكهم شاؤول في نهاية القرن الحادي عشر ق. م. وقد قاومهم المديانيون مقاومة شديدة بحيث ذكرت إحدى الروايات أنهم تمكنوا من بني إسرائيل سبع سنين.

وبعد قرون دخلت مدين في طي النسيان، ثم سيطر الأنباط على أرضها بعد أن مدوا نفوذهم التجاري والسياسي من شرق الأردن إلى شمال الحجاز. وعملوا خلال القرن الأول ق. م على توسيع ميناء الحوراء وتحصينها. ولا تزال المقابر التي نحتت في الصخر بجوارها خلال عصرهم تعرف باسم مغاير شعيب وتشبهها بعض مقابر واحة البدع، كما تشبه بقية مقابر الأنباط في بترا وفي مدائن صالح لولا أنها تهدمت إلى حد كبير.

<<  <   >  >>