امرئ القيس بن عمرو المتوفى في عام ٣٢٨م، وجد منقوشًا بالخط الأنباطي المتطور على نصب أقين فوق قبره في منطقة النمارة إلى الجنوب الشرقي من دمشق، وقيل فيبه عن صاحبه: إنه كان ملكًا على العرب كلهم وأنه أحرز التاج وحكم الأسديين والنزاريين والمعديين، وشتت قبائل مذحج، وحاصر نجران مدينة شمر، وولى أولاده على القبائل واستعان بهم الفرس والروم أو جعلهم فرسانًا للروم.
وقد أسلفنا في الفصل العاشر. أن امرأ القيس هذا قد عاصر أواخر أيام ملك عربى جنوبي لا يقل عنه اقتدارًا وطموحًا وهو شمر يهرعش الثالث ملك سبأ وذوريدان، وكانت جيوش شمر قد انطلقت من نجران إحدى قواعده العسكرية فتحالفت مع قبائل مذحج في منطقة الأفلاج في وسط شبه الجزيرة العربية وعملت على التوسع في المنطقة الشرقية على الخليج العربي وأطراف العراق.
وعندما ظهرت قوة امرئ القيس شن هجومه المضاد فشتت قبائل مذحج حلفاء شمر يهرعش وحاصر نجران التابعة له. ولعله وجد العون أو وجد الخضوع من قبائل عربية متفرقة مما سمح له بأن يدعى في نصه حكم قبائل أسد ونزار معد.
وشيئًا فشيئًا اكتفى اللخميون بالولاء للفرس دون الرومان، وتقبل الفرس استقرارهم في الحيرة وفي الأنبار وما حولهما ليعدلوا الكفة في مقابل ملوك الطوائف في العراق، ويقوموا بدور الدولة الحاجزة لحماية الحدود وقوافل التجارة من شغب أبناء عمومتهم من بدو الصحاري.
ونجح ملوك الحيرة في القيام بدورهم، وثبت أقدامهم ما يروى من أن يزدجرد ملك فارس قد ائتمن النعمان الأول ملك الحيرة ٣٨٨ - ٤١٨م على تربية ولده بهرام جور في ظاهر الحيرة، فرباه مع ولده المنذر، وقيل: إنه أدبه بآداب العرب، وكانت فرصة ذهبية لتقارب البيتين الحاكمين. وازدادت من جرائها سلطة النعمان وزاد جيشه واتسع ثراؤه ونسب إليه إنشاء قصر الخورنق.
وزاد في الوقت نفسه ولاؤه للفرس وشن الغارات باسمهم على حدود أملاك الروم في بلاد الشام. وإن روى بعض المؤرخين أنه زهد في نهاية حياته وتنسك وترك لولده المنذر ملكًا مكينًا. وعندما توفي يزدجرد في عام ٤٢١م أراد عظماء الفرس أن يقصوا أولاده عن عرشه، فاستغل المنذر الفرصة وانتصر لبهرام جور وعاونه بفرقته العربية الضارية دوسر أو بفرقتين، على بلوغ عرشه، وحمد بهرام جور له هذه المبادرة وردها إليه مضاعفة وخلع عليه لقبين تشريفيين لابد أنهما اعتبرا مكرمة منه تزيد من سمعة المنذر بين الفرس والعرب وهما: رام أفزود يزدجرد بمعنى الذي أزاد سرور يزدجرد، ومهشت بمعنى أعظم الخول.