حليفتهم حمير واحتل الأحباش المسيحيون اليمن في عام ٥٢٥م، فلم يبق لهم نصير خارجي لا من الفرس ولا من اليمن ولا من الروم ولا من أنفسهم بعد أن فرقت المطامع صفوفهم. وكان لحجر عدة أبناء أصغرهم هو امرؤ القيس الشاعر وكان ميالًا للهو مع شهرته في الشعر. وكان أبوه فيما ذكرته الروايات العربية قد تبرأ منه في حياته حتى يقلع عن لهوه وشعره ففارقه وظل على سفره ولهوه حتى أتاه نعيه وهو يشرب ويسمر في دمون من أرض حضر موت فقال جملته المأثورة: ضيعني صغيرًا وحلمني دمه كبيرًا، لا صحو اليوم ولا سكر غدًا، اليوم خمر وغدًا أمر، واستنصر امرؤ القيس قبائل بكر وتغلب على بني أسد قاتلي أبيه. فاستعصم بنو أسد ببني كنانة ثم تركوهم. وتعقبهم امرؤ القيس بحلفائه والتحم معهم في معركة ضارية ولكنهم هربوا منه بليل. واكتفت بكر وتغلب بما حدث وتفرقت عنه.
وأبى امرؤ القيس إلا المضي في الانتقام لأبيه، فمضى يستنصر عرب العراق تارة وعرب اليمن تارة أخرى، ثم قاتل بني أسد مرة أخرى وظفر ببعض بطونهم وقيل: إنه مثل بها تمثيلًا شديدًا، ثم أحل الخمر لنفسه. ولو أن شاعر بني أسد عبيد بن الأبرص نفى في شعره تمكن امرئ القيس من قومه، وأخذ بروايته بعض المؤرخين.
وكان رؤساء الحيرة لا يزالون يكنون البغضاء لكندة، فتعقبوا امرؤ القيس وشردوه ..... ، وتشجعت عليه قبائل أسد ومعد، وتفرق عنه أتباعه. ففر بأهله وأسلحته وماله وظل يتنقل بهم والمكائد تلازمه بين بني يربوع، وإياد. وطيء، وفزارة، ثم ارتحل إلى تيماء ويبدو أنها كانت تحت رئاسة قريب له من كندة يدعى قيس، وإن كانت بعض الروايات قد اكتفت من قصته فيها بأنه أودع أهله ودروعه عند السموأل بن عاديا صاحب الحصن الأبلق ورجاه أن يوصي به الحارث بن أبي شمر الغساني، ثم قصد بلاد الشام ونم شعره عن أنه مر فيها بحوران وبعلبك وحمص وحماة ... ومن هناك أوفده الحارث الغساني بتزكية منه إلى قيصر الروم في القسطنطينية، حيث مات فيها مريضًا أو مسمومًا، أو مات أثناء رجوعه منها في فترة ما بين ٥٣٠و٥٤٠م من قبل أن يحقق هدفه، وأضافت الروايات نفسها أن بعض أعدائه أو بعض أنصاره عندما تحققوا من وفاته طالبوا السموأل بودائعه فأبى، فحاصروا حصنه وقتلوا ولده، ولكنها اختلفت فيمن طالب السموأل وحاصره، إن كان الحارث بن أبي شمر الغساني، أو الأبرد ابن عمه، أو الحارث بن ظالم حليف المنذر ملك الحيرة. ونظر بعض المؤرخين المحدثين ومنهم فنكلر ومارجوليوت إلى المشكلة من وجهة نظر أخرى، فقد