وذوريدان في حوالي عام ٣٣٠م، كما ظهروا بعد نحو قرن من الزمان بين الأعراب في جيوش أب كرب أسعد وولده حسان يهأمن في حملتها على أرض معد في وادي مأسل حمح، وفي بداية القرن الخامس الميلادي.
ومر بنا في الفصل العاشر كذلك أن النصوص الحميرية القديمة والروايات العربية معًا قد نسبت إلى أب كرب أسعد وولده حسان في فترة اشتراكهما في الحكم مجهودًا حربيًا في منطقة أحلاف معد، وفي بعض نواحي الحجاز من ناحية، وحتى الربع الخالي في أواسط شبه الجزيرة العربية من ناحية أخرى، وأنه كان من بين قواته الراكبة رجال مذحج وكندة. وبالربط بين هذا العهد وبين ما كان يجري خارج حدود اليمن يتضح أنه كان يعاصر نهضة اللخميين على حدود العراق, ووثيق صلتهم بفارس في عهد النعمان الأول. وهكذا يبدو أنه كان من أهداف حملة أب كرب أسعد التي اصطحب معه فيها كندة ومذحج إعادة كيان إمارة كندة في الشمال تحت طاعة دولة سبأ وذوريدان أو حمير أو في حلفها، لكي ترأس قبائل معد العدنانية سبأ وذوريدان أو حمير أو في حلفها، لكي ترأس قبائل معد العدنانية وتقف في وجه التوسع اللخمي المنتظر من ناحية، وتؤمن الطرق التجارية المتجهة إلى نجد والحجاز وما ورائهما من ناحية أخرى.
ومن هنا تلاقت النصوص السبأية القديمة مع الروايات العربية التي روت أن تبعًا أب كرب أسعد وهو في طريقه إلى أرض العراق نزل بأرض معد فجعل حجرًا بن عمرو الكندي ملكًا هناك. وإذا كانت قد خلطت بين أب كرب وبين ابنه حسان في هذا الأمر فذلك يرجع إلى اشتراكهما في الحكم معًا لفترة طويلة.
وقامت كندة بدورها حتى الربع الأول من القرن السادس م، وفيه احتدم التنافس بين القوى الثلاث الكبيرة في شبه الجزيرة العربية وعلى أطرافها، وكل منها نجد خلفها من يؤيدها، نعني بذلك مملكة الحيرة في عهد المنذر الثالث ٥١٢ - ٥٥٤م وتؤيدها دولة الفرس، ومملكة الغساسنة في عهد الحارث بن جبلة ٥٢٨ - ٥٦٩م وتؤيدها دولة الروم، ومملكة كندة في عهد الحارث بن عمرو بن حجر ٥٢٨ - ٥٤٠م وتؤيدها دولة حمير سبأ وذوريدان, وعن مرحلة من مراحل هذا التنافس تحدث نص سبأي قديم عن خروج قوات معد يكرب ملك سبأ وذوريدان مع مذحج وكندة في عام يقع بين ٥١٦ و ٥٢٢م لإعادة الاستقرار إلى منطقة بني ثعلبة ومضر بعد مشاكلهم مع المنذر ملك الحيرة.
وهكذا يتضح إلى أي مدى أفادت النصوص القديمة الأصلية في توضيح التاريخ العربي القديم وتحقيق قضاياه، وكلما زاد المكتشف منها وتمت دراسته كلما أثري هذا التاريخ وزادت حصيلته.