للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقليل من أهل العلم من أعرض عن القولين السابقين وقال إن الآية عامة في كل من أوتي علمًا من الكتاب، فجعلوا الكتاب عامًّا في كل الكتب المنزلة من الله تعالى (١)، وعزا الطبري هذا القول إلى قتادة (٢).

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

استدل السمين الحلبي على القول بأن المراد بالآية اليهود بدليلين:

الأول: الظاهر، ولعل وجه هذا أن الظاهر عنده هو المتبادر إلى الذهن كما تقدَّم بيانه في منهجه، والمتبادرُ إلى الذهن في الكتمان المذكور في الآية هم اليهود، فإنهم هم الذين عُرف عنهم أنهم كتموا ما في كتابهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم.

الثاني: مناسبة الآية لما قبلها: وذلك في قوله تعالى في الآية السابقة: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرا} [آل عمران: ١٨٦]، ثم جاءت هذه الآية بتخصيص اليهود بأنهم أبلغ في الشر، وذلك بكتمانهم العلم.

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

يستدل للقول بأن المراد بالآية اليهود والنصارى، أن هذا هو المعهود في ذكر أهل الكتاب في القرآن أنه يشمل اليهود والنصارى، فكذلك قوله {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} هنا؛ لا يخص اليهود وحدهم، بل يدخل فيهم النصارى، كما جاء مثل هذا التركيب في قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} الآية [المائدة: ٥].

[٤) أدلة القول الثالث في المسألة]

استدل من قال بأن المراد في الآية كل من آتاه الله علم الكتاب أن هذا هو مقتضى إطلاق لفظ الكتاب في الآية، فالكتاب المذكور في الآية يُراد به جنس الكتب المنزلة من الله تعالى (٣).

[٥) الموازنة بين الأدلة]

لا يستقيم القول بأن الآية أُريد بها كل من آتاه الله علم الكتاب، فإن هذا يقتضي أن المؤمنين في زمن التنزيل معنيون فيها، والآية جاءت في سياق الذم بأنهم نبذوا الميثاق وراء


(١) ينظر تفسير البيضاوي (٢/ ٥٣)، وفتح القدير للشوكاني (١/ ٤٦٨) وفتح البيان لصديق حسن خان (٢/ ٣٩٥).
(٢) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ٢٩٦) وعزاه أيضًا إلى ابن مسعود ولا يظهر؛ ينظر روح المعاني للآلوسي (٢/ ٣٦١)
(٣) ينظر في فتح القدير للشوكاني (١/ ٤٦٨)، وفتح البيان لصديق حسن خان (٢/ ٣٩٥).

<<  <   >  >>