الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله؛ هو الذكر الحكيم، والصراط المستقيم؛ مَنْ عَمِل به أُجِر، ومَن ابتغى الهدى مِنْ دونه ضل.
وإن من شرف أمتنا أن حفظت كتاب ربها، واعتنت بتعلُّمه وتعليمه، واستشراحه وتفهيمه، في جهودٍ عظيمة تعاقب عليها أهل العلم جيلًا بعد جيل، ولم يزل الآخِر منهم ينهل من معين سابقه، ويستفيد من تقريره وتحقيقه.
وإن من تلك الجهود المباركة في خدمة كتاب الله ما قام به العالم المفسِّر والناقد المحرِّر أبو العباس، أحمد بن يوسف بن محمد، المعروف بالسمين الحلبي (ت ٧٥٦ هـ)، حيث ألَّف كتابًا عظيمًا في أحكام القرآن، سماه بالقول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز، وهو كتاب جديرٌ بالعناية والاستفادة مما قرَّره فيه وحقَّقه، فقد كان معتنيًا بجهود علماء التفسير مِنْ قبله، دارسًا لها، شارحًا لما يُشكِل من كلامهم، ولقد كان له في هذا الكتاب جمعٌ فريد، وتحريرٌ وتحقيق، ومنهجٌ مُحْكَمٌ في عرض الأقوال ومناقشتها، لذا كان المشروع البحثي في جمع اختياراته وترجيحاته ودراستها، وصار حظي من هذا المشروع المبارك، أستكمل به جهد من قبلي، وأقرب الغاية لمن بعدي، وكان موطن بحثي من هذا الكتاب الكبير في سورة آل عمران، من الآية (١٣٨) إلى آخر السورة، وأسأل الله الكريم أن ينفع بما فيه من التوجيه والإرشاد، وأن يفيد به ملتمس الحق والصواب.
[مشكلة البحث]
تميَّز السمين الحلبي في مناقشته للمسائل العلمية بحُسن عرض الأقوال وترتيبها والجمع بينها، وحُسن بيانها وشرح غامضها، وذِكر أدلتها وإيراد الردود والإشكالات عليها، وقد ظهر ذلك جليًّا في كتابه "القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز" في مسائل متنوعةٍ متفرقة تبرز الحاجة إلى جمعها ودراستها.
ونظرًا لأهمية حل الخلاف في تفسير كلام الله، ومعرفة أرجح الأقوال في ذلك، فقد جاء