للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصبر، فالمراد التنبيه على الأمرين معًا، وهذا المعنى لا يكون إلا إذا أُريد النصب (١).

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

أنه قد رويت القراءة بكسر الميم (ويعلمِ الصابرين) عطفًا على قوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ} (٢)، فهذه القراءة تؤيد القول بالجزم هنا (٣).

ويشهد للقول بالجزم أيضًا القياس على ما ذكره جامع العلوم الباقولي بأنه ثبت الجزم في موضع آخر مثل هذه الآية، وهو قوله تعالى: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١٤١]، فاتفق القراء السبعة على جزم {وَنَمْنَعْكُم}، ويقاس عليه هذه الآية في إثبات الجزم فيها (٤).

[٤) الموازنة بين الأدلة]

أما حمل الفعل في الآية على النصب فهو الظاهر من اللفظ، لأنه مفتوح الآخر، ويبقى الأمر في توجيه النصب بحسب المذهبين المذكورين، لكن يجاب عن الاعتراض الذي ذكره الباقولي من أن النصب ليس هو اختيار القراء في مثل ذلك.

فالذي يظهر أن الاختيار ليس له مدخلٌ هنا، فالقراء لا يختارون في القراءات إلا بما ثبت لديهم بالأسانيد، ويجعلون الاختيار حينئذٍ مبنيًا على الأثبت والأضبط لا على موافقة وجه معين من وجوه الإعراب؛ قال أبو عمرو الداني: "وأئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر، والأصح في النقل" (٥)، فثبت بهذا أن المقدَّم عندهم هو رعاية الإسناد لا القياس على الحكم الإعرابي في آية أخرى.

ثم لو كانت القراءات في {ويعلم} بكسر الميم وفتحها كلها ثابتة عندهم وكان اختيار الجزم متفقًا عليه بينهم لمَا عدلوا عن الكسر إلى الفتح كما ذكر الباقولي، لأن الكسر أدلُّ على الجزم من الفتح، فإنه يلزم كل من أراد الجزم وفتح الميم أن يبين التوجيه في فتح الميم لئلا يُظن أن


(١) ينظر في إبراز المعاني لأبي شامة (ص: ٦٧٥)، وحاشية الصبان على شرح الأشموني (٣/ ٤٤٩).
(٢) وهي قراءة الحسن وغيره، ينظر في مختصر ابن خالويه (ص: ٢٩)، والكامل للهذلي (ص: ٥١٨ - ٥١٩).
(٣) ينظر في تفسير أبي السعود (٢/ ٩١).
(٤) ينظر في كشف المشكلات لجامع العلوم الباقولي (١/ ٢٥٧ - ٢٥٨).
(٥) جامع البيان في القراءات السبع (٢/ ٨٦٠).

<<  <   >  >>