للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رويت حكاية إجماع أهل السنة على أن الإيمان يزيد وينقص عن آخرين من أهل العلم، وقد ذكر الإجماع ابن عبد البر، وابن تيمية رحمهم الله (١).

أما الأشاعرة الذين ينتمي إليهم السمين الحلبي فقد تعددت أقوالهم في هذه المسألة وفق المذاهب الثلاثة التي ذكرها السمين الحلبي (٢).

وأشهر من قال إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص هو الإمام أبو حنيفة رحمه الله (٣).

وقد قال بهذا القول طوائف من أهل البدع كالجهمية والمرجئة والخوارج والمعتزلة، وإن كان بعض هؤلاء ينكر نقصان الإيمان أعظم من إنكاره زيادته، لأنه إذا نقص لزم ذهابه كله عندهم، أما الزيادة فقد يثبتونها لأجل الآيات الصريحة فيها ثم يسلكون فيها مسلك التأويل (٤).

وبالجملة، فكلُّ من خالف الحق في معنى الإيمان وما يشمله لم يكن قوله تامًّا في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه، حتى وإن قال بالزيادة أو النقصان، كما تقدم بيانه في أصل الخلاف في المسألة.

وما يروى عن عبد الله بن المبارك أنه يقول بأن الإيمان يزيد ولا ينقص هو خلاف ما ثبت عنه، فقد روي عنه التصريح بزيادة الإيمان ونقصانه (٥)، وهو خلاف ما عرفه أهل العلم عنه، فقد ذكر الإمام أحمد ومن بعده ابن تيمية أنه يقول بالزيادة والنقصان جميعًا، وردوا على من فهم عنه خلاف ذلك (٦).

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

الدليل على أن الإيمان يزيد وينقص ظاهر الآية كما ذكر السمين الحلبي، فقد جاء فيها التصريح بأن ما حصل للصحابة زادهم إيمانًا، وأثمر في قوة توكلهم على ربهم إذ قالوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، وقوة التوكل مبنية على زيادة الإيمان بالله.


(١) رواها ابن هانئ في مسائل الإمام أحمد (٢/ ١٦٢)، وابن بطة في الإبانة (٢/ ٨٢٦)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (٥/ ١٠٣٥)، وينظر في التمهيد لابن عبد البر (٩/ ٢٣٨)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (٧/ ٦٧٢).
(٢) ينظر في شرح صحيح مسلم للنووي (١/ ١٤٨)، وفي عمدة القاري للعيني (١/ ١٠٧).
(٣) ينظر في الجوهرة المنيفة في شرح وصية الإمام الأعظم أبي حنيفة للملَّا حسين (ص: ١٠١).
(٤) ينظر في مجموع الفتاوى لابن تيمية (٧/ ٤٠٣ - ٤٠٤).
(٥) رواه إسحاق بن راهويه في مسنده (٣/ ٦٧٠) والنجاد في كتاب الرد على من يقول القرآن مخلوق (ص: ٥٤).
(٦) روى ذلك ابن هانئ في مسائل الإمام أحمد (٢/ ١٢٧)، وينظر في مجموع الفتاوى لابن تيمية (٧/ ٥٠٦).

<<  <   >  >>