للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التثنية ظاهرة وتامة في القول الأول، في أن السبعين يقابلها مئة وأربعون، بخلاف القول الثاني في أن اليوم الذي للمشركين يقابله يومان للمسلمين، لأنه لو كان اليوم يقابله يومان لكانت ثلاثة أيام، والمذكور هنا يومان فقط، فيوم أُحد مشترك بين كونه للمسلمين وكونه للمشركين، فلا تظهر المقابلة به، ولا تكون تامة، لأنه على هذا لم يتم لهؤلاء ولا لهؤلاء.

وقد بيَّن السمين الحلبي أن التمثيل بالقتل على القول الثاني لا تظهر المطابقة به من حيث العدد، لأن القتل الذي أحرزه المسلمون في غزوة أُحد هو قتلٌ قليل لا يبلغ بأن يكون مِثلًا للقتل الذي أصابهم، فلا يحسن جعله أحد المِثلَين، ولا يحسن التمثيل بمجرد القتل الذي فيه من غير اعتبار العدد، فإنه لو اعتُبر مثل هذا القتل اليسير في التمثيل لقال أحدٌ من المشركين مستدركًا على التمثيل به: ونحن قتلنا منكم أيضًا في غزوة بدرٍ قتلًا يسيرًا كذلك (١).

وأما قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ}، فهو أمرٌ انتهى إلى غاية، كما قال تعالى بعد ذلك: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} إلى آخر الآيات وفيها بيان ما أصاب المسلمين بعد ذلك، وأيضًا فإن الحِسَّ الذي أحرزه المسلمون في غزوة أُحد هو شيءٌ مخصوص، لأن الحِسَّ هو القتل والاستئصال، وهذا واقعٌ على من قُتل من المشركين في تلك الغزوة فقط، وهم أقل ممن قُتل من المسلمين، كما تقدَّم (٢).

[٥) النتيجة]

الراجح أن المماثلة في الآية هي من حيث العدد، حيث أُصيب من المسلمين سبعون، وأصيب من الكفار مئة وأربعون ما بين قتيل وأسير، لأن هذا هو المناسب من حيث التمثيل به، وهو أبلغ في الامتنان به على المؤمنين، وقد امتن الله على المؤمنين بمثل ذلك في موضعٍ آخر فقال سبحانه: {فَرِيقا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقا} [الأحزاب: ٢٦].


(١) مستفاد مما ذكره الواحدي في التفسير البسيط (٦/ ١٥٢).
(٢) ينظر في أضواء البيان للشنقيطي (١/ ٢٠٨ - ٢٠٩).

<<  <   >  >>