للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تزامنت مع المصيبة التي أصابتهم، فحين اصابتهم المصيبة قالوا: أنى هذا.

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

استدل من قال بأن (لمَّا) حرف وجوبٍ لوجوبٍ بأن فيها معنى التعليل والتسبيب، فقوله تعالى {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} ظاهرٌ فيه أن مقولتهم كانت بسبب ما أصابهم، فإذا كان فيها معنى التعليل والتسبيب والربط بين الفعلين (أصابتكم، قلتم)، فإنها تكون كغيرها من الحروف التي فيها هذا المعنى، مثل (إنْ) الشرطية في ربطها بين فعل الشرط وجواب الشرط، ومثل (لو) الامتناعية، فإنها تقابل (لمَّا) في وظيفتها، فهي حرف امتناعٍ لامتناع، و (لمَّا) حرف وجوبٍ لوجوب (١).

[٤) الموازنة بين الأدلة]

الذي يُشكل في هذه المسألة أن (لمَّا) متجاذبة بين دليل الظرفية وهو المزامنة، ودليل الحرفية وهو التعليل والسببية، وإن كان هذان الأمران قد لا يظهران كل الظهور في بعض المواضع، فمن ذلك ما ذُكر عند قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} [الكهف: ٥٩]، فقد قيل إن الظلم متقدِّم على الإهلاك، وليس مزامنًا له (٢)، ويُجاب عن هذا وأمثاله بأن المراد ثبوت الفعل واستمراره، فحين ثبتوا على الظلم واستمروا عليه أهلكهم الله، وإلا لما أهلكهم (٣)، ومن ذلك أيضًا ما ذُكر عند قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} [الإسراء: ٦٧]، فقد قيل إن الإنجاء ليس بسببٍ وعلَّة للإعراض (٤)، ويجاب عنه بأنهم لمَّا كانوا في البحر كانوا في شدَّة، فدعَوا الله مخلصين له الدين، ولم يمنعهم من الإشراك إلا وجود الشدة، فلما نجَّاهم إلى البر انتفى عنهم المانع وتهيَّأت لهم دواعي الإعراض، فأعرضوا عن الله وأشركوا به، فصار الإنجاء سببًا لإعراضهم.

وإذا ثبت دليل الظرفية ودليل الحرفية فأيهما يترجَّح؟

يمكن أن يترجَّح دليل الحرفية لوجود ما يعضده من أن كلمة (لمَّا) مبنية، "وكل مبنيٍّ لازمٍ


(١) ينظر في الجنى الداني للمرادي (ص: ٥٩٥).
(٢) ينظر في شرح الكافية لابن مالك (٣/ ١٦٤٣ - ١٦٤٤).
(٣) ينظر في مغني اللبيب لابن هشام (ص: ٣٦٩).
(٤) ينظر في التحرير والتنوير لابن عاشور (٨ ب/ ٦٢).

<<  <   >  >>