للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٤) أدلة القول الثالث في المسألة]

ذكر السمين الحلبي دليل من قال إن الإيمان يزيد ولا ينقص بأنهم اعتبروا أن النص الوارد إنما جاء بالزيادة دون النقص، ولهذا أثبتوا الزيادة دون النقص، وهذا في الحقيقة دليل على إثبات الزيادة، وليس دليلًا على نفي النقص، ويمكن أن يقال إن دليلهم في نفي النقص هو نفس دليل أصحاب القول السابق من أن الإيمان هو التصديق القلبي الذي إذا نقص لم يكن إيمانًا، لكنهم أثبتوا الزيادة وحدها لأجل صراحة النص فيها (١).

وقد استدل بعضهم على النقص بما رواه معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإسلام يزيد ولا ينقص) (٢).

[٥) الموازنة بين الأدلة]

لا شك بأن الأدلة ظاهرة في إثبات أن الإيمان يزيد وينقص، ولزيادة الإيمان أوجه متعددة ذكر بعضها السمين الحلبي، وليست محصورة في وجه معين، وهي ترجع إلى أصلين (٣):

الأصل الأول: أن الإيمان يزيد وينقص من جهة أمر الرب سبحانه وتعالى، وقد ذكر السمين الحلبي بعض أفراد هذا الأصل من أن بعضهم ذهب إلى أن زيادة الإيمان ونقصانه هي (من طريق نزول الفرائض والأخبار في زمن الرسول عليه السلام)، ولا يختص هذا الأصل بما كان في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، بل يكون فيمن بعده، فالذي يجب على العالم والمفتي والقاضي غير الذي يجب على من دونهم، فدين هؤلاء وإيمانهم غير دين أولئك، فالإيمان يتفاضل بين العباد زيادة ونقصًا من هذه الجهة.

الأصل الثاني: أن الإيمان يزيد وينقص من جهة فعل العبد، فيؤمر العباد جميعًا بأمرٍ، ثم يتفاضلون في القيام به علمًا وعملًا واعتقادًا، وذكر السمين الحلبي بعض أفراد هذا الأصل من أن بعضهم ذهب إلى أن الإيمان يزيد وينقص (باعتبار الأدلة الحاصلة عند الشخص، فإذا قوي الدليل في نفس المؤمن وتظافر وتحقق زاد إيمانه، وإذا ضعُفت الأدلة أو قَلَّت نقص)، وذكر أيضًا أن بعضهم ذهب إلى (أن الزيادة والنقص في الإيمان باعتبار الطاعات والمعاصي)، وذكر أن أعمال القلوب داخلة في اسم (الطاعة).


(١) ينظر في عمدة القاري للعيني (١/ ١٠٧).
(٢) رواه أبو داود في سننه (٣/ ١٢٦/ ٢٩١٢)، وينظر في فيض الباري للكشميري (١/ ٢١٣).
(٣) ينظر في مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٣/ ٥١ - ٥٥).

<<  <   >  >>