للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مؤمني الجن في قوله تعالى: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ١ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: ١ - ٢]، فالآية هنا مثل الآية هناك، وكما أضاف الله الهداية إلى القرآن هناك، أضاف الله النداء إلى القرآن هنا (١).

[٥) الموازنة بين الأدلة]

الأدلة بأن المنادي هو الرسول صلى الله عليه وسلم أقوى وأظهر، ولعل هذا أظهر من تعميم المنادي في جميع الأنبياء، فإن الآية في الصحابة أنفسهم كما دل عليه سبب النزول، فيكون المنادي هو النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن من آمن به صلى عليه وسلم فقد آمن بجميع الرسل وصدَّق ما وعدت به جميع الرسل من النعيم في الآخرة، وعلى هذا يتوجه قوله تعالى في سياق الآية: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.

لكن يشكل على القول بأن المنادي هو النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره محمد بن كعب القرظي من أن بعض الناس لم يسمعوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون هو المنادي، وكيف يكونوا قد سمعوا نداءه؟ فالقرآن هو الدعوة الخالدة الباقية، فيصدق عليه أنه هو الوحيد المنادي للإيمان على اختلاف الأزمان، بخلاف البشر فإنهم لا يبقون في هذه الحياة الدنيا.

والجواب عنه أن الآية في الصحابة كما تقدَّم، وهم قد سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقولهم وتضرعهم في الآية مطابق للواقع، ثم مِنْ بعدِهم يكون التأسي بهم في تضرعهم بالاقتداء بهم في إيمانهم واستجابتهم للمنادي إليه، فليست الآية فيما يظهر عامة في كل المؤمنين، وإنما عمومها في التأسِّي والاقتداء.

ثم إن من سمع القرآن فكأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، فيؤول القول إلى سماع ما نادى به النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أساس دعوته هو القرآن، والقرآن إنما أتى عن طريقه (٢).

والقول أن المنادي هو القرآن فيه تجوُّز، والظاهر من لفظ الآية أن النداء على الحقيقة، وقد أشار إلى ذلك التكرار في قوله: {مُنَادِيا يُنَادِي} (٣).


(١) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ٣١٤ - ٣١٥)، وتفسير الرازي (٩/ ٤٦٦).
(٢) ينظر في التفسير البسيط للواحدي (٦/ ٢٦٠)، وتفسير القرطبي (٤/ ٣١٧).
(٣) ينظر في التبيان لأبي البقاء العكبري (١/ ٣٢١)، وليس الخلاف هنا في سماع القرآن، وإنما هو في نداء القرآن أنه مجاز، ينظر ما سبق من القول الوجيز (ص: ٤٠٨).

<<  <   >  >>