للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا القول في الدر المصون؛ قال رحمه الله: (لمَّا) حرف وجوب لوجوب؛ هذا مذهب سيبويه، وزعم الفارسي وتبعه أبو البقاء أنها ظرف بمعنى (حين)، وأن العامل فيها جوابها، وقد رُدَّ عليه بأنها أجيبت بـ (ما) النافية و (إذا) الفجائية، قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} [فاطر: ٤٢]، وقال تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: ٦٥]، و (ما) النافية و (إذا) الفجائية لا يعمل ما بعدهما فيما قبلهما، فانتفى أن تكون ظرفا" (١).

• دراسة المسألة:

[١) مذاهب أهل العلم في المسألة]

كثيرٌ من المفسرين حين تعرَّضوا لـ (لمَّا) التي في الآية جعلوها بمعنى (حين) (٢)، وهم في هذا موافقون لقول بعض أهل اللغة الذين قالوا بأنها ظرف (٣)، لكن الجمهور من أهل اللغة كما ذكر السمين الحلبي يثبتون أن (لمَّا) حرف (٤)، وذلك أثناء تفصيلهم للأوجه في (لمَّا) وما تدخل عليه، فيذكرون أن التي تدخل على الفعل الماضي هي حرف، ويعبِّرون عنها بأنها ما وقع لوقوع غيره، أو حرف وجودٍ لوجود، أو حرف وجوبٍ لوجوب.

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

يُستدل على أن (لمَّا) ظرفٌ بمعنى (حين) أن معنى الظرفية والمزامنة فيها ظاهر، فقوله تعالى {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} ظاهرٌ فيه أن مقولتهم


(١) الدر المصون (١/ ١٥٩ - ١٦٠)، وينظر أيضًا في الدر المصون (٤/ ٤٠ - ٤١)، (٦/ ١٧٤)، (٨/ ١٣٧)، وفي عمدة الحفاظ (٤/ ٤٣) حيث ذكر فيه قول الفارسي بصيغة توحي بالتضعيف (زعم).
(٢) ينظر في الهداية لمكي بن أبي طالب (٢/ ١١٦٦)، والتفسير البسيط للواحدي (٦/ ١٥١)، والكشاف للزمخشري (١/ ٤٣٦)، وتفسير البيضاوي (٢/ ٤٧)، وأبي السعود (٢/ ١٠٨)، وروح المعاني للآلوسي (٢/ ٣٢٧).
(٣) ينظر في الأصول في النحو لابن السراج (٢/ ١٥٧)، والإيضاح لأبي علي الفارسي (ص: ٣١٩)، والمحتسب لابن جني (٢/ ٣١٢)، والبيان لأبي البركات الأنباري (١/ ١٠٧)، والتبيان لأبي البقاء العكبري (١/ ٣٣).
(٤) ينظر في الكتاب لسيبويه (٤/ ٢٣٤)، ومعاني القرآن للزجاج (٣/ ٦٤)، ونتائج الفكر للسهيلي (ص: ٩٧)، ورصف المباني للمقالي (ص: ٢٨٤)، وارتشاف الضرب لأبي حيان (٤/ ١٨٩٦)، والجنى الداني للمرادي (ص: ٥٩٤)، وبدائع الفوائد لابن القيم (١/ ٤٤)، وشرح قطر الندى لابن هشام (ص: ٥٢)، والمساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل (٣/ ١٩٨) والمقاصد الشافية للشاطبي (٦/ ١٠١)، ودليل الطالبين لمرعي الكرمي (ص: ٨٤).

<<  <   >  >>