للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: ترجيحات السمين الحلبي من آية (١٦٤) إلى آية (١٧٥)]

وفيه تسع مسائل:

المسألة الأولى: معنى المماثلة في قول الله تعالى: {قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا}

قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: ١٦٥]

• أصل الخلاف في المسألة:

المِثلُ هو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة، فيمكن أن يطلق على شيئين متفقين في الكمية والمقدار وإن اختلفا في الجنس، ويمكن أن يطلق على شيئين متفقين في الجنس وإن اختلفا في الكمية (١)، ولأجل عموم دلالة المِثل جاء في قوله تعالى {قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا} أكثر من قول، فما المراد بالمِثلين هنا، وما وجه المماثلة؟

• نص المسألة:

قال السمين الحلبي رحمه الله: "واختلف الناس في معنى قوله: {مِّثْلَيْهَا}:

فعن ابن عباس وقتادة والربيع والضحاك أنها في العدد، وذلك أنهم يوم بدر قتلوا سبعين وأسروا سبعين، فقد اصابوا يوم بدرٍ مِثلَي ما أُصيبوا به يوم أُحد.

وذهب الزجاج إلى هذه المثليَّة في القتل خاصة من غير اعتبار الأسر، وقال: «إنهم قتلوا يوم بدرٍ سبعين، ويوم أُحدٍ اثنين وعشرين، فهو قتلٌ بقتل، ولا يدخل الأسرى في الآية، لأنهم فُدُوا، فلا مماثلة بين حالهم وبين قتل سبعين من المؤمنين» (٢) انتهى. يعني أن حقيقة المماثلة اتحاد الصفة التي وقعت المماثلة فيها، ولا مِثليَّة بين القتل والأَسر، فلا مدخل للأَسر في ذلك.

وفيما قاله نظر من حيثيَّة أخرى، وهي أن حقيقة مِثلَي الشيء أن يكون ذلك الشيء نصفًا للمجموع، كما يقال: السبعون مِثلَا الخمسةِ والثلاثين، وهو قد قال إنهم قتلوا يوم أُحدٍ


(١) ينظر في المفردات للراغب الأصفهاني (ص: ٧٥٩)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ١٦١).
(٢) ينظر في معاني القرآن وإعرابه للزجاج (١/ ٤٨٨)، والمحرر الوجيز لابن عطية (١/ ٥٣٨)، وسيأتي تفصيل القول.

<<  <   >  >>