وقد أخبر الله أن الخزي قد يلحق المؤمن العاصي في الدنيا، كما في قوله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا}[المائدة: ٣٣]، فما المانع أن يلحقه شيء من الخزي في عقوبة الآخرة، كما لحقه في عقوبة الدنيا، ثم تكون عاقبة أمره إلى الجنة.
وقد دعا إبراهيم عليه السلام وقاية الخزي في الآخرة، فقال:{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ}[الشعراء: ٨٧]، وكذلك أصحاب هذه الآية:{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، فدل على أن الخزي قد ينال المؤمن في الآخرة، لكن لا يخزي الله المؤمنين جميعًا في الآخرة.
ويمكن أن يقال أيضًا إن المراد بالخزي المذكور في قوله:{يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}، وقوله:{إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ} أن ذلك الخزي العظيم والكبير، وهو خزي الكافرين الخالدين في النار، كما جاء بيانه في قوله تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}[التوبة: ٦٣]، أما المؤمن الذي استحق النار فإنه وإن لحقه الخزي في دخولها إلا أنه لن يكون من أهل الخزي العظيم.
والخزي في دخول النار يكون في حال العقوبة فقط، لأن الخزي هو الفضيحة، وذلك إنما يكون في حال العقوبة بالنار، ثم إذا خرج المؤمن العاصي منها فإنه لا يكون في خزي، بل يكون في رحمة الله ودار كرامته، وكما لا يُعيَّر المؤمن بعد العقوبة الشرعية في الدنيا، فإنه لا يُعيَّر بعد العقاب في الآخرة (١).
[٥) النتيجة]
الذي يظهر والله أعلم أن الخزي المذكور في قوله تعالى:{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} يشمل كل من استحق دخول النار من كافرٍ أو مؤمن، فهذا الإطلاق هو
(١) ينظر في العواصم والقواصم لابن الوزير (٩/ ٢٩٠).