للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قال بعض المفسرين إن المراد هو الذكر بالقلب سواء قارنه الذكر باللسان أو لا (١).

ومن المفسرين من حمل الذِّكرَ في الآية على أن المراد به الصلاة (٢)، وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود، وفيه ضعف (٣)، والأشبه في الرواية أنها في الآية الأخرى المشابهة لهذه الآية، وهي قوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: ١٠٣]، فإن روايته قد ذُكرت هنالك (٤).

وعزا الثعلبي هذا القول إلى علي بن أبي طالب وابن عباس والنخعي وقتادة (٥)، وحكى بعض أهل العلم هذا القول عن الحسن البصري، وعن الضحاك في تفسيره (٦).

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

استدل السمين الحلبي على أن المراد بالذكر في الآية هو الذكر باللسان بأن هذا هو الظاهر المتبادر للذهن في مدح الذاكرين أن يكون المراد بالذكر هو الذكر باللسان، كما قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: ٣٥]، وكما قال في ذم المنافقين: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلا} [النساء: ١٤٢]، فعلى هذا المعنى يدور المدح والذم.

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

استدل من قال بأن المراد في الآية ذكر القلب بالسياق، وذلك أن الآيات سيقت لبيان حال أولي الألباب الذين يجدون في خلق السماوات والأرض آيات تدل على توحيد الله وإخلاص الدين له، وهذا الاستدلال وهذا التوحيد أصله في القلب (٧).


(١) ينظر معاني القرآن للزجاج (١/ ٤٩٩)، وتفسير أبي السعود (٢/ ١٢٩)، وتفسير المنار لرشيد رضا (٤/ ٢٤٥).
(٢) ينظر في أحكام القرآن للجصاص (٣/ ٢٤٧)، والوجيز للواحدي (ص: ٢٤٨).
(٣) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٨٤١) والطبراني في المعجم الكبير (٩/ ٢١٢)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٣٢٩): "إسناده منقطع، وفيه جويبر، وهو متروك"، وفيه الانقطاع بين الضحاك وابن مسعود، ومدار الأثر على جويبر، وبنحو هذا ضعَّفه الطحاوي في أحكام القرآن (١/ ٢٣١)، وتبعه النحاس في معاني القرآن (١/ ٥٢٤).
(٤) رواه الطحاوي في أحكام القرآن (تقدَّم، وهو من نبَّه لذلك)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٤/ ١٠٥٦) أيضًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٦٦٦) إلى ابن أبي شيبة، ورأيته في مصنفه (٢/ ٢٣١) أنه في آيتنا هذه، والله أعلم.
(٥) ينظر في تفسير الثعلبي (٩/ ٥٤٩)، وتبعه البغوي في تفسيره (١/ ٥٥٥)، وقد تقدَّم قول قتادة، ولم أقف على رواية ابن عباس إلا في الآية الأخرى عند ابن أبي حاتم من نفس الطريق عن ابن مسعود، وتقدَّم مدار تلك الطريق وما فيه.
(٦) حكى الجصاص في أحكام القرآن (تقدَّم) قول الحسن، وحكى السرخسي في المبسوط (١/ ٢١٢) قول الضحاك.
(٧) ينظر في معاني القرآن وإعرابه للزجاج (١/ ٤٩٩).

<<  <   >  >>