للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

ذكر السمين الحلبي دليل القول بأن الاضطجاع على الجنب يكون بعد العجز عن القيام والقعود، وهو أمران (١):

الأول: ما أشارت إليه الآية، وذلك في قوله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}، حيث ذكر الاضطجاع على الجنب بعد القيام والقعود، ولم يذكر الاستلقاء على الظهر.

والثاني: حديث عمران بن حصين، وهو صريحٌ في المسألة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبك) (٢).

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

استدل الحنفية للقول بأن الذي لا يستطيع القيام ولا القعود أنه يصلي مستلقيًا على قفاه بما روي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يصلي المريض قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى قفاه) (٣)، وبما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المريض: إن لم يستطع قاعدًا، فعلى القفا (٤).

[٤) الموازنة بين الأدلة]

الذي يظهر أن الدليل على القول بالاضطجاع على الجنب أقوى، لأن الدليل عليه آيةٌ وحديثٌ صحيح ثابت، بخلاف دليل القول بالاستلقاء على الظهر، فإن الحديثين المذكورين فيه لم تثبت روايتهما في كتب السنة بنفس اللفظ الذي استدلوا به؛ أما حديث علي رضي الله عنه فإنما روي بلفظ آخر: (فإن لم يستطع أن يصلي قاعدًا صلَّى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلَّى مستلقيًا ورجلاه مما يلي القبلة) (٥)، فإن كان هذا اللفظ هو الثابت من حديث علي رضي الله عنه فإنه لا يكون حجة للقول بأن الاستلقاء


(١) ذكرهما الماوردي في الحاوي الكبير (٢/ ١٩٧)، وبيَّن وجه دلالة الآية الكشميري في فيض الباري (٢/ ٥٤٦).
(٢) رواه البخاري في صحيحه (٢/ ٤٨/ ١١١٧).
(٣) ذكره الحنفية بهذا المعنى ولم يبينوا رواته ولا حاله؛ ينظر في البناية للعيني (٢/ ٦٣٩)، وذكره الماوردي فيما تقدم عنه.
(٤) ذكره الكاساني في بدائع الصنائع (١/ ١٠٦)، ولم أقف عليه مسندًا بهذا اللفظ، وسيأتي بيان المسند منه.
(٥) رواه الدارقطني في سننه (٢/ ٣٧٧/ ١٧٠٦) والبيهقي في الخلافيات (٣/ ٨٣/ ٢١٢٦)، ومداره على حسن بن حسين العرني؛ ضعَّفه أهل العلم كما في نصب الراية للزيلعي (٢/ ١٧٦)، والتلخيص الحبير لابن حجر (٢/ ٦٤٠).

<<  <   >  >>