للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر السمين الحلبي دليلين على القول بأن المخاطبين بالآية هم أهل أُحد:

الأول: السياق، فإن الآيات قبلها والآيات بعدها في غزوة أُحد، فأولى أن تكون هذه الآية من ضمن ذلك، وأن يكون المخاطبون فيها ابتداءً هم الصحابة الذين شهدوا الغزوة.

الثاني: أن الروايات قد أشارت إلى مقولات الكافرين بعد غزوة أُحد من المشركين والمنافقين واليهود والنصارى، فإذا كان المراد بالكافرين ابتداءً فئةٌ معيَّنة من هؤلاء، فإن الخطاب ابتداءً سيتوجه إلى أهل أُحدٍ بلا شك.

[٤) الموازنة بين الأدلة]

هذه المسألة تنبني على تحديد المراد بالكافرين في الآية؛ قال الطيبي: "اعلم أن التعريف في قوله {الَّذِينَ كَفَرُواْ} إذا حُمل على العهد فالمخاطبون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم المراد بالذين كفروا إما المنافقون … أو أهل الكتاب … أو المشركون … ، وإذا حُمل على الجنس فالمخاطبون جماعة المسلمين في جميع الأزمنة، كما أن الكفار عام في اليهود والمنافقين والمشركين" (١)، وعليه فإنه إذا ثبت تحديد الذين كفروا في الآية فإنه يبطل الاستدلال بظاهر لفظها أن الخطاب فيها ابتداءً لجميع المؤمنين.

كما أن السياق يشير إلى أن الآية في غزوة أحد، بدليل الآيات التي قبلها فإنها نزلت بعدما أُشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا بعضهم إلى الاستسلام للمشركين (٢)، وكذلك الآية التي بعدها كما روى ابن عباس في قوله {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [آل عمران: ١٥١] أنها في أبي سفيان (٣)، فتكون هذه الآية في المؤمنين الذين في غزوة أُحدٍ كذلك.

ومقتضى مجموع الروايات في الآية أن المراد بالذين كفروا هم المشركون والمنافقون واليهود والنصارى، وأقربهم فيما يظهر المشركون، لأن الآية في سياق غزوة أُحد فهي تشير إلى الكفار المحاربين، والكفار المحاربون إذ ذاك هم المشركون، والآيات السابقة هي في الكفار المحاربين وأن الربيين لم يستكينوا لهم ولم يطيعوهم بعد مقتل أنبيائهم، وطلبوا من الله أن ينصرهم عليهم،


(١) حاشية الطيبي على الكشاف (٤/ ٢٩٧).
(٢) ينظر في أسباب النزول للواحدي (ص: ١٢٥) ومجموع الروايات في تفسير الطبري (٦/ ٩٨ - ١٠٥).
(٣) ينظر في تفسير ابن أبي حاتم (٣/ ٧٨٥).

<<  <   >  >>