للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأنباري على الباقولي في توجيهه لها بأن اللام فُتحت تبعًا للعين ثم قال: "وليس في توجيهها قولٌ مرضيٌّ جارٍ على القياس" (١)، وذكر في موضع آخر أن الإتباع إنما جاء في ألفاظ يسيرةٍ لا يُعتد بها ولا يُقاس عليها (٢).

وبمثل ما سبق يقال في الرد على من يستشهد بقراءة فتح الميم في نفس الآية من قوله تعالى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ}، فقد قرئت بفتح الميم: (ولمَّا يعلمَ الله) (٣)، وقد ذُكر فيها توجيهٌ آخر غير ما سبق، وهو أن أصل الكلمة (يعلمَن) على إرادة التأكيد بنون التوكيد الخفيفة، فحُذفت النون وبقيت حركة الفتح كما لو كان الفعل مؤكدًا بها (٤)، وهذا مبني على جواز تأكيد المجزوم بـ (لم) وهو قليل جدًّا (٥).

وقد استبعد أهل العلم هذا الوجه وذكروا أنه لم يُذكر في قوله تعالى {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} بسبب بُعده ولإمكان الحمل على الوجه الصحيح الشائع (٦)، فمثل هذه التوجيهات إنما يُلجأ إليها إذا ثبتت القراءة ولم توافق الحكم الإعرابي الظاهر منها، أما إذا وافقت القراءة وجهًا من الأوجه المعتبرة عند أهل العلم، فلا داعي أن تُصرف عنه إلى غيره.

[٥) النتيجة]

الذي يظهر أن الفعل في قوله تعالى {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} منصوب، لأن هذا هو الظاهر اللفظ، ولأن القول بالجزم يحتاج إلى توجيهات متكلَّفة بخلاف القول بالنصب الذي هو ظاهر شائع لا يحتاج إلى توجيه.

وقد استشهد بعض العلم بهذه الآية في سياق الكلام عن النصب في مواطن أخرى فدلَّ


(١) ينظر في البيان في غريب إعراب القرآن (٢/ ٣٢٣)، وقد ذكر أبو البقاء في توجيهها قولين على أنها منصوبة، وتبعه السمين الحلبي في بيانهما، ومع ذلك فقد رد عليهم مَنْ بعدهم؛ ينظر في التبيان (٢/ ١١١٠)، ثم الدر المصون (٩/ ٤٢١)، ثم فتح القدير للشوكاني (٤/ ٥٢٦)، وروح المعاني للآلوسي (١٢/ ٢٤٥ - ٢٤٦).
(٢) ينظر في البيان في غريب إعراب القرآن (١/ ٣٧).
(٣) وهي قراءة يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعي؛ ينظر في شواذ القراءات للكرماني (ص: ١٢٠).
(٤) ينظر في الكشاف للزمخشري (١/ ٤٢٠)، وتفسير البيضاوي (٢/ ٤٠)، والقول الوجيز للسمين الحلبي، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٣٤٤ - ٣٤٥).
(٥) ينظر الدر المصون للسمين الحلبي (١١/ ٤٤).
(٦) ينظر في حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي (٣/ ٦٨)، وحاشية الشهاب عليه كذلك (٣/ ٦٦).

<<  <   >  >>