للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتعرضوا لتفصيل المسألة وبيان وجه تعلُّق الجار والمجرور بها (١).

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

لم أقف على دليل يدل على أن المفازة في الآية اسم مكان، ولعل ذلك من الحمل على المشهور في اللغة، فإنه قد عُرف أن لفظ (المفازة) استُخدِم في اسم المكان، وذلك في جعله علامةً على الصحراء المهلكة، وسموها بذلك تفاؤلًا بالفوز والنجاة منها (٢)، وعلى ذلك، فيُستخدم لفظ (المفازة) في الآية على أنه اسم مكان، ويكون إشارة إلى أن المذكورين في الآية لا أمل لهم في النجاة من العذاب، ولا مهرب يقيهم منه.

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

يمكن أن يستدل على أن المفازة في الآية مصدر من الفوز أنه قد جاء في القرآن ذكر المفازة مصدرًا، كما في قوله: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} [الزمر: ٦١]؛ أي: بفوزهم (٣)، فتُحمل المفازة في الآية هنا على أنها مصدر كذلك، موافقةً لما جاء به القرآن في موضعٍ آخر.

[٤) الموازنة بين الأدلة]

قد ذكر السمين الحلبي إشكالًا على القول الذي رجَّحه في أن لفظ (المفازة) فيه تاء التأنيث، والمصدر الذي لحقته تاء التأنيث لا يعمل، ولا يمكن أن يُعلَّق به الجار والمجرور، وقد أجاب عن هذا الإشكال بأن الكلمة هنا قد بُنيت على تاء التأنيث، والعرب تجيز إعمال المصدر في هذه الحالة، بخلاف الكلمة التي تكون تاء التأنيث طارئة عليها، فإن الإشكال المذكور يَرِد عليها.

وأما الإشكال الذي ذكره السمين الحلبي في تعلُّق الجار والمجرور باسم المكان فهو متفرِّع عن قولهم بأن اسم المكان لا يعمل، فلا يجوز أن يتعلَّق به الجار والمجرور والظرف مباشرة، ومن أهل اللغة من أجاز ذلك باعتبار أن اسم المكان قد شابه الفعل بشيءٍ يسير، ففيه رائحة الفعل،


(١) ينظر في البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٤٦٨)، والسراج المنير للشربيني (١/ ٢٧٣)، وتفسير السعدي (ص: ١٦٠)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ١٩٤)، وتفسير سورة آل عمران للعثيمين (٢/ ٥٣٠).
(٢) وهذا قولٌ قديم مشهور؛ ينظر في العين للخليل (٧/ ٣٨٩) والحيوان للجاحظ (٣/ ٢٠٩) وجمهرة اللغة لابن دريد (٢/ ٨٢٢)، وتهذيب اللغة للأزهري (١٢/ ٣١١)، وثَمَّ قولٌ آخر وجَّهه ابن يعيش في شرح المفصل (٣/ ٣٨٩).
(٣) ينظر في تفسير الطبري (٢٠/ ٢٤٠) وابن جزي (٢/ ٢٢٤) وأبي السعود (٧/ ٢٦١)، وفي زاد المسير لابن الجوزي (٤/ ٢٤).

<<  <   >  >>