للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما القول بأن (ما) نكرة فقد روي عن ابن كيسان (١)، فذُكِر عنه أنه قال: "أنا أختار أن أجعل لـ (ما) موضعًا في كل ما أقدر عليه، نحو قول الله جل وعز: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ}، وكذا {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِّيثَاقَهُمْ} [النساء: ١٥٥، والمائدة: ١٣]، وكذا {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} [القصص: ٢٨]؛ (ما) في موضع خفضٍ في هذا كله، وما بعدها تابعٌ لها" (٢)، ولم أقف على من رجَّح هذا القول.

وأما القول بأن (ما) استفهامية فقد قال به بعضهم كما نقله الثعلبي (٣)، واختاره بيان الحق النيسابوري (٤)، ومن بعده الرازي (٥)، ولم أقف على من اختاره بعد ذلك.

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

الدليل على أن (ما) في الآية زائدة شيئان:

الأول: أن دخولها في الآية لابد أن يكون لمعنى، ولم يظهر في الآية معنًى سوى التأكيد، فتكون زائدةً للتأكيد، لأن من أغراض الزيادة التأكيد (٦).

الثاني: أن زيادة (ما) في الآية هي زيادةٌ حسنة من أساليب البلاغة العربية الأولى، فإن لها هنا تأثيرًا في حُسن النظم، وتمكينًا للكلام في النفس، وبُعدًا به عن الألفاظ المبتذلة (٧).

[٣) أدلة الأقوال الأخرى في المسألة]

دليلان:

الأول: أنه لا يجوز أن يقال بوجود شيء زائدٍ في القرآن، لأن الزيادة تدل على أن اللفظ مهملٌ ضائع كما أشار إليه الرازي في كلامه، وهذا لا ينبغي أن يكون في كلام الله، ولهذا ذكر مكي بن أبي طالب عن ابن كيسان أنه كان يتلطف في ألا يجعل شيئا زائدًا في القرآن، فيبحث


(١) هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان، إمام في اللغة، أخذ عن ثعلب والمبرد، وكان ميله إلى المذهب البصري أكثر من المذهب الكوفي، (ت: ٢٩٩ هـ)؛ ينظر في طبقات النحويين واللغويين لأبي بكر الزبيدي (ص: ١٥٣).
(٢) ينظر في إعراب القرآن للنحاس (٣/ ١٦٩)، وينظر في مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب (١/ ١٧٨).
(٣) ينظر في تفسير الثعلبي (٩/ ٣٥٣)، والتفسير البسيط للواحدي (٦/ ١١٨)، وليس فيهما تعيين القائل بذلك.
(٤) ينظر في كتابيه: باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن (١/ ٣٣٢)، وإيجاز البيان عن معاني القرآن (١/ ٢١٥).
(٥) ينظر في تفسير الرازي (٩/ ٤٠٦ - ٤٠٧).
(٦) ينظر في الوجوه والنظائر لأبي هلال العسكري (ص: ٤٣٣).
(٧) ينظر في سر الفصاحة لابن سنان الخفاجي (ص: ١٥٦).

<<  <   >  >>