للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم أقف على من نفى أن يكون سبب النزول وقع قبل نزول الآية غير ما ذكره السمين الحلبي هنا، ولا يشكل على هذا من أثبت أن الآية فيها إعلامٌ بالبلاء قبل وقوعه، فإن هذا مقتضى ما جاء فيها، لكن الإشكال في نفي أن يكون سبب النزول وقع قبل نزول الآية.

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

استدل السمين الحلبي على أنه لم يقع شيء قبل نزول الآية بأمرين:

الأول: أن هذا هو الظاهر المتبادر إلى الذهن من الألفاظ المذكورة في الآية: {لَتُبْلَوُنَّ}، {وَلَتَسْمَعُنَّ}، وذلك بشاهد اجتماع (لام القَسَم) مع (نون التوكيد)، فاجتماعهما يدل على أمرٍ مستقبلٍ مؤكد، كما في قول إبراهيم عليه السلام: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: ٥٧] (١)، وعليه فهذه الألفاظ خالصة في المستقبل، وليس فيها إشارة لما مضى، فيُستبعد أن يكون قد وقع شيء قبل نزول الآية، وكان سببًا لنزولها.

الثاني: مناسبة الآية لما قبلها، وذلك فيما ذكره من أنه لما أخبر سبحانه من أن كل نفس ذائقة الموت، عقَّب ذلك بتوطينهم على ما يصيبهم من البلايا والرزايا، فكان ذلك الإخبار كالتوطئة للمذكور هنا، لأن من علِم أنه يموت هانت عليه كل مصيبة (٢)، وعليه فتكون مناسبة الآية تؤيد أنها في الإخبار عن مستقبل لتتوطن أنفسهم عليه، لا في الإشارة إلى ما مضى.

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

الدليل بأن الآية نزلت بعد سبب النزول وهو قصة أبي بكر مع فنحاص اليهودي أمران:

الأول: ما ثبت من رواية ابن عباس، وفيها التصريح بأن الآية نزلت بعد القصة (٣).

الثاني: أن سياق الآيات قد أشار إلى ما ذُكر في هذه القصة؛ إذ هي في الذين قالوا إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء، فالسياق كله نزل بعد القصة المذكورة كما ذكره ابن عباس وعكرمة (٤).

[٤) الموازنة بين الأدلة]

لعل مما يقوي الاعتضاد بما ذكره السمين الحلبي أن بعض أهل العلم ذكر تضعيف سند


(١) ينظر في اللامات للزجاجي (ص: ١١٠).
(٢) ينظر فيما تقدم: القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٣٤٤).
(٣) روايته في تفسير الطبري (٦/ ٢٧٨) وابن أبي حاتم (٣/ ٨٣٤) وحسَّن إسنادها ابن حجر في الفتح (٨/ ٢٣١)
(٤) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ٢٧٨، ٢٩١)، وتفسير ابن المنذر (٢/ ٥١٥).

<<  <   >  >>