للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظاهر من الآية، حيث قال: (يعلم) هنا ظاهره التعدي إلى واحد، فيكون كـ (عرف) " (١).

فالآية فيها مفعول واحد فقط وهو: {الَّذِينَ آمَنُواْ}، فالظاهر أنها لا تتعدى إلى مفعولين.

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

استدل السمين الحلبي على قوله بأنه هو الذي ينبغي في حق الله تعالى، فالعلة في ترجيحه لهذا القول بأن هناك ما يمنع من تجويز القول الآخر، كما قال: (وهذا ينبغي ألا يجوز، لأنه العرفان؛ لا يجوز إسناده إلى الله تعالى).

وذكر أن قوله هو الظاهر، ولعل هذا من وجه المقابلة للقول الذي قبله، فإن الظاهر عنده كما تقدَّم هو الذي لا يحتاج إلى تقدير، والقول بأن فعل (عَلِم) يتعدى إلى مفعولين يحتاج إلى تقدير المفعول الثاني.

وأما تفصيل العلة التي لأجلها منع السمين الحلبي القول الأول فقد أشار إليها في الدر المصون بقوله: "لِما تقدَّم لك من الفرق بين العلم والمعرفة، منها: أن المعرفة تستدعي سبق جهل، ومنها: أن متعلقها الذوات دون النِّسَب، وقد نص العلماء على أنه لا يجوز أن يطلق ذلك (أعني الوصفية بالمعرفة) على الله تعالى" (٢).

وجاء تفصيل الفرق بين العلم والمعرفة في عمدة الحفاظ، إذ نقل السمين الحلبي عن الراغب الأصفهاني قولَه: "يقال: الله يعلم كذا، ولا يقال: يعرف كذا، لمَّا كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصل إليه بتفكر" (٣)، ثم زاد السمين الحلبي في تفصيل المسألة وعاب على من ذكر هذا المعنى ولم يعمل به في الإعراب فقال: "وقد فرَّق قوم بين العلم والعرفان بغير ذلك، فقال بعضهم: المعرفة إدراكُ الشيء دون ما هو عليه، ومن ثم تعدت لواحد، والعلم معرفته وما هو عليه، ومن ثم تعدى لاثنين، فمن ثم يُقال: (عَلِم الله) دون (عرف).

وقال آخرون: المعرفة تستدعي جهلًا بالشيء المعروف، بخلاف العلم فإنه لا يستدعي ذلك، ولذلك (علم الله) دون (عرف الله)، وقد وقع في عبارة بعض العلماء (عرف الله)، ومنهم


(١) البحر المحيط (٣/ ٣٥٤).
(٢) الدر المصون (٥/ ٦٣٠).
(٣) المفردات (ص: ٥٦١).

<<  <   >  >>