للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة السادسة: أصل (المفازة) ووجه تعلُّق الجار والمجرور بها في قول الله تعالى {فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ}

قال تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: ١٨٨]

• أصل الخلاف في المسألة:

لفظ (المفازة)؛ هل هو مصدر من الفوز، فيكون معنى الآية: فلا تحسبنَّهم بفوزٍ يفوزون به من العذاب، أو هو اسم مكان، فيكون المعنى: فلا تحسبنَّهم بمحلِ فوزٍ من العذاب.

وينبني على هذا بيان وجه تعلُّق قوله {مِّنَ الْعَذَابِ} بقوله {بِمَفَازَةٍ} وفق القواعد الضابطة في تعلق الجار والمجرور.

• نص المسألة:

قال السمين الحلبي رحمه الله: {مِّنَ الْعَذَابِ} فيه وجهان:

الأول: متعلق بمحذوفٍ على أنه صفة لـ (مفازة)؛ أي: (مفازةٍ كائنةٍ من العذاب)؛ إذا قلنا إن (مفازة) اسم مكان بمعنى مكان الفوز، قال أبو البقاء: «لأن (مفازة) اسم مكان، والمكان لا يعمل» (١)، يعني: فلا يتعلق {مِّنَ الْعَذَابِ} بلفظ (مفازة)، بل بمحذوفٍ على أنه صفة كما قدَّمنا تقريره. غير أن في ذلك إشكالًا، لأنك إذا قدَّرت كونًا مطلقًا على القاعدة المعروفة في مثله فليست بـ (مفازةٍ كائنةٍ من العذاب)، والمفازة ليست من العذاب، وإذا قدَّرت كونًا خاصًا مناسبًا للمعنى؛ أي: بمفازة منجية أو مخلِّصة من العذاب، لزمه تقدير المحذوف في مثله كونًا مقيدًا، وقد منعوه.

والوجه الثاني: أنه متعلق بنفس (مفازة) إذا أُريد المصدر، لأنها بمعنى الفوز، لأن المفازة تتعدى بـ (من)؛ تقول: فزت منه؛ أي: نجوت وخلصت، وهذا الوجه أحسن للتخلص من تكلفة الإشكال في الوجه قبله" (٢).


(١) التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري (١/ ٣٢٠).
(٢) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٣٧٠ - ٣٧١).

<<  <   >  >>