للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نُّعَاسا}» (١)، فهذا يدل على أن النعاس المذكور في الآية هو الذي كان في المصاف قبل أن ينكسر الجيش.

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

يمكن الاستدلال للقول الثاني بأن الأمَنَة نزلت في نهاية المعركة بعد افتراق الجيشين بدليلين:

الأول: الرواية التي ذكرها السمين الحلبي أنها قول الجمهور، وهي رواية السدي، وقد ابتدأ بها بعض المفسرين وجعلوا الروايات الأخرى بعدها (٢).

الثاني: سياق الآية، ففيه ثلاث إشارات:

أولها: أن الآية أفادت أن الأمَنَة نزلت عليهم من بعد الغم، والغم إنما أصابهم في أواخر أحداث المعركة، فإن الله ذكر أحداث المعركة ثم ذكر الغم بعد ذلك، كما قال تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} (٣).

وثانيها: أن في قوله {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَة} ما يفيد المهلة والتأخير، لما في (ثم) من الدلالة على التراخي، ففيه إشارة إلى أن الأمَنَة نزلت بعد الغم بفترة، وذلك مؤذِنٌ بأنها في نهاية المعركة (٤).

وثالثها: أن الله حكى حال الطائفة التي لم تنزل الأمَنَة عليها، وذكر من أحوالهم: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}، ففيه إشارة إلى أن قولهم هذا كان بعد نهاية المعركة، وكان قولهم هذا في حال نزول الأمنة على أهل الإيمان، ويشهد لهذا رواية الزبير رضي الله عنه: «وإني لأسمع قول مُعتِّب بن قُشير والنعاس يغشاني: (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا)» (٥).


(١) رواها الترمذي في الجامع (٥/ ٢٢٩/ ٣٠٠٧) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٢) هي أول ما رواه الطبري في تفسير الآية (٦/ ١٦٠)، وتبعه في تقديم ذكرها مكي ابن أبي طالب في الهداية (٢/ ١١٥٦)، وابن عطية في المحرر الوجيز (١/ ٥٢٧)، والآلوسي في روح المعاني (٢/ ٣٠٦).
(٣) ينظر في البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٣٩٠).
(٤) ينظر في تفسير ابن عرفة (١/ ٤٣٠).
(٥) رواها الطبري في تفسيره (٦/ ١٦٨)، وابن المنذر في تفسيره (٢/ ٤٥٧)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٧٩٥).

<<  <   >  >>