للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له عن وجهٍ يخرجه من الزيادة (١).

الثاني: أن الأقوال الأخرى في جعل (ما) نكرة أو جعلها استفهامية يحصل بها التفخيم للرحمة المذكورة في الآية والتعظيم من شأنها، فإنها إما أن تكون مفسِّرة ومبيِّنة للإبهام الذي في النكرة، فيكون للبيانِ بعد الإبهام موقعٌ في الكلام، وإما أن تكون هي المُستفهَم عنها تعظيمًا لها وتعجيبًا من شأنها على ما ذكره الرازي في كلامه.

[٤) الموازنة بين الأدلة]

كأن السمين الحلبي استشعر قول المانعين من الزيادة فقال بعد أن فرغ من المسألة: "والقائلون بكونها زائدة لا يعنون أنه يجوز سقوطه، ولا أنه لا فائدة له فيدخل تحت حكم المُهمَل، بل يقولون: زِيدَ للتوكيد، وإذا كان للتأكيد كان له أُسوَةٌ بالألفاظ التي جيء بها للتوكيد، نحو (كُلٍّ، وأجمعين) " (٢).

وهذا البيان يُجلِّي الحقيقة لمَن تأمله، فإن الزيادة تسميةٌ اصطلاحية، فيُرجع في بيانها إلى أهل العلم الذين اصطلحوا عليها، فيُنظَر فيما يعنون بها، فإنهم لا يعنون أن الزائد هو كالمُهمَل الضائع حتى يقال بالتحريم، ولا أنه لفظٌ دخيل يجوز سقوطه فيُنزَه القرآن هذا الحكم، بل جعلوا للزيادة فائدة وهي التأكيد، ولا يُشكل على هذه الفائدة أن الكلام يتم بدونها، وأنه يمكن أن يُفهم من غير الحاجة إلى اللفظ الزائد، فإن ألفاظ التأكيد نحو (كُلِّ، وأجمعين) كذلك ولم تكن مهملةً ولا دخيلة في الكلام.

فإذا ثبتت صحة الزيادة، فإنه قد تقدَّم أن من قواعد الترجيح أن "إعمال الكلام أولى من إهماله"، وأنه "إذا دار الأمر بين الزيادة والتأصيل فحمله على التأصيل أولى" (٣)، لكن محلُ هذه القاعدة فيما إذا كان اللفظ محتملًا للزيادة وعدمها، أما إذا كان اللفظ لا يحتمل إلا الزيادة فإنه لا ترجيح بهذه القاعدة (٤)، ولا يُتكلَّف في ذكر معنًى آخر لأجل نفي الزيادة، ولأجل هذا ذكر أبو حيان هنا أن الزيادة في أماكنها المعتبرة لا ينكرها أهل العلم.

وبالنظر في الأقوال التي تجعل (ما) نكرة أو استفهامية يظهر التكلف في إثبات ذلك، وبُعده


(١) ينظر في مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب (٢/ ٥٤٣).
(٢) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ١٢٧).
(٣) ينظر في قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور حسين الحربي (٢/ ٤٩٥ – ٤٩٩).
(٤) ينظر في المصدر السابق (٢/ ٤٩٥)، فقد نبَّه الدكتور على محل هذه القاعدة.

<<  <   >  >>