للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الثامنة: البلاغة في قول الله تعالى: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا}

• أصل الخلاف في المسألة:

هذه مسألة بلاغية مبنية على معنى المغفرة والتكفير، ومعنى الذنوب والسيئات، فمن فرَّق بين هذه المعاني ذكر الفرق بين الجملتين في الآية، ومن جعل هذه المعاني متقاربة جعل الجملتين من باب التأكيد.

• نص المسألة:

قال السمين الحلبي رحمه الله: "واختلف المفسرون في قوله {ذُنُوبَنَا} و {سَيِّئَاتِنَا}، فعن ابن عباس وجماعة أن الذنوب هي الكبائر، والسيئات هي الصغائر، وبه جزم الزمخشري، ويؤيده قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١].

وقيل: الذنوب: ترك الطاعات المأمور بها، والسيئات: ارتكاب المعاصي المنهي عنها.

وقيل: الذنوب: الكبائر التي قبل الإسلام، والسيئات: الصغائر التي بعد الإسلام، وهذا كالذي قدمناه أولًا إلا أن هذا مقيَّدٌ بالزمان.

وقيل: سألوا غفران الذنوب، وهو محوها وعدم المؤاخذة بها، ثم سألوا ما يوقهم من الافتضاح بين خلقه. التكفير: التغطية، ومنه قيل للزارع: كافر، والليل: كافر، واللابس لسلاحٍ: تكفَّر؛ أي: ستر به، وذلك أنه لا يلزم من عدم العقاب على الذنب ألا يفتضح به، فسألوا ذلك ليأمنوا الافتضاح، وفيه نظر، لأن الغفران تغطيته أيضًا، ومنه المغفر، لأنه يستر الرأس، ولذلك ذهب جماعة إلى أنه من باب التأكيد والإلحاح في الدعاء، لا سيما إذا اختلف اللفظ من الجانبين؛ ألا ترى أن الغفران والتكفير متقاربان أو مترادفان، وكذلك الذنوب والسيئات" (١).


(١) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٤١١ - ٤١٢).

<<  <   >  >>