للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونصر هذا المعنى ابن القيم وبالغ في إثباته (١).

وقد ذكر بعض أهل العلم قرينةً على أن المراد بالاستفهام النفي وذلك في صيغة القول: {هَل لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ}، فزيادة (مِنْ) قبل النكرة (شيء) هي من خصائص النفي (٢)، وهذا ليس بلازم فقد تُزاد (مِنْ) قبل النكرة وبعد الاستفهام بـ (هل) ولا يكون المراد النفي، وذلك نحو قوله: {هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ} [التوبة: ١٢٧]، وقوله: {هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام: ١٤٨] (٣).

وقد ذكر السمين الحلبي الإشكال على كون الاستفهام للنفي، وذكر الجواب عنه بتقدير جملة أخرى ثبوتية، ويمكن أن يجاب عنه أيضًا بأن قولهم هذا كان بعد المعركة على وجه التسخط والجزع على أقدار الله، وقد كان ينفع مناقشتهم في الجواب لو كان قولهم قبل المعركة، لكن بعد المعركة لا يكون قولهم إلا على وجه التسخط والجزع فلا يجدي النقاش معهم، بل يُذكرون بأن التقدير والتدبير إنما هو بيد الله في الأصل، وهذا كمن ينازع السلطان بعد أن استقر له الحكم إذا قضى عليه قضاءً، فيقول: ليس لي أمرٌ ولا نهي، فيقال له: إن الأمر والنهي قد آل إلى السلطان.

ويمكن أن يقال إن السياق يشكل على أن يكون الاستفهام على حقيقته من الاستخبار والاسترشاد، لأن السياق يقتضي ذمَّ مقولتهم، والذي يسأل للاستخبار والاسترشاد لا يذم قوله على الإطلاق.

[٥) النتيجة]

الظاهر أن المراد بالاستفهام النفي، فيكون مصروفًا عن حقيقته في كونه للاستخبار، لأن السياق يقتضي ذلك، وذلك ظاهر جدًا إذا قلنا إن المراد بالأمر في الآية التدبير، وهو الأقرب.

كما أن الروايات في قصة أُحد تشهد لمعنى النفي بخلاف القول الآخر فليس له شاهد في الواقع، والله أعلم.


(١) ينظر في زاد المعاد (٣/ ٢١٢).
(٢) ينظر في نظم الدرر للبقاعي (٥/ ٩٨) والتحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ١٣٥).
(٣) ينظر في مغني اللبيب لابن هشام (ص: ٤٢٥) فقد ذكر زيادة (مِنْ) بعد (هل) ولم يشترط أن يكون المراد النفي.

<<  <   >  >>