للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: قواعد الترجيح عند السمين الحلبي]

قواعد الترجيح عند المفسرين هي ضوابط وأمورٌ أغلبية يُتوصَّل بها إلى معرفة الراجح من الأقوال المختلفة في التفسير، فالغاية من هذه القواعد هي معرفة أصح الأقوال وأولاها بالقبول في تفسير كتاب الله (١).

وحين نذكر قواعد الترجيح عند أحدٍ من المفسرين فإننا نعرف بها أصح الأقوال عنده وأولاها بالقبول، فالذي يَحسُن عند إلزام أحد المفسرين بقاعدةٍ من قواعد الترجيح أمران:

• الأول: أن تكون القاعدة منضبطةً لا تختلف الأنظار في تطبيقها، وذلك لأجل أن ينضبط العمل بها، ويصحَّ الرجوعُ إليها، أما إذا كانت القاعدة مطلقةً مرسلةً لا يمكن ضبطها وفق منهج المفسر، فإنه قد يُغلَط عليه من خلالها.

• الثاني: أن تكون القاعدة هي الغالب في تصرُّفه عند محل ورودها، وإلا لم تكن قاعدةً عنده، لأن القاعدة حكمها أغلبي، فإذا لم يغلب عليه استعمالها عند محل ورودها فليست قاعدةً عنده.

وبناءً عليه، فقد ظهرت لي بعض قواعد الترجيح التي التزم بها السمين الحلبي، وهي القواعد الآتية:

القاعدة الأولى: إذا دار الأمر بين التأكيد والتأسيس، فالتأسيس أولى (٢).

صرَّح السمين الحلبي بهذه القاعدة عند قوله تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ١٧٠ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٧٠ - ١٧١]، قال في الآية الثانية: "اختلف الناس في هذه الجملة هل هي تأكيديَّة أم تأسيسيَّة؟ فذهب الزمخشري وابن عطية إلى الأول … وقيل إنها للتأسيس …

ويؤيد هذا الوجه: أنه إذا دار الأمر بين التأكيد والتأسيس، فالتأسيس أولى" (٣).


(١) ينظر في قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور حسين بن علي الحربي (١/ ٣٩ - ٤٠).
(٢) ينظر في قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور حسين بن علي الحربي (٢/ ٤٧٣ - ٤٧٨).
(٣) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٢٣٩ - ٢٤٠)، وكذلك ذكرها في الدر المصون (٦/ ٤٣٧)، وفي موضعٍ آخر (٤/ ٦٩٢) طبَّقها في الإعراب بين الحال المؤسسة والمؤكدة.

<<  <   >  >>